في تاريخ الفكر الإسلامي، كانت الدعوة للعودة إلى القرآن الكريم كمصدر أساسي للتشريع والإرشاد من أهم القضايا التي تناولها العلماء والمفكرون. واحدة من أبرز هذه الدعوات كانت من الإمام الشافعي، مؤسس أحد المذاهب الفقهية الأربعة في الإسلام، والذي أكد في رسالته الشهيرة “الرسالة” على ضرورة الاعتماد على القرآن والسنة النبوية من القرآن الكريم كمصدرين أساسيين للتشريع والابتعاد عن التفسيرات المتجاوزة للنصوص.
ويعد الإمام الشافعي، أحد أعظم فقهاء الإسلام، قد خلَّد اسمه في تاريخ الفكر الإسلامي بفضل إسهاماته البارزة في علم أصول الفقه والتشريع. وُلد في غزة عام 150 هـ/767 م، وتوفي في مصر عام 204 هـ/820 م. طوال حياته، عمل الشافعي بجد على صياغة منهج فقهي يرتكز بشكل أساسي على القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث كان يرى أن هذين المصدرين هما الأساس الصلب الذي يجب أن تُبنى عليهما الأحكام الشرعية.
أحد أهم أعمال الشافعي هو “الرسالة”، وهو نصٌ يُعتبر من أقدم وأهم المؤلفات في أصول الفقه. في “الرسالة”، وضع الشافعي القواعد المنهجية التي يجب أن يتبعها العلماء والمجتهدون في استنباط الأحكام الشرعية. كان الشافعي يؤمن بأن القرآن الكريم هو المصدر الأعلى في الإسلام، ويجب أن يكون المرجع الأول في كل القضايا الدينية. لذلك، دعا إلى ضرورة العودة إلى القرآن وفهمه وفقاً لسياقه ولما ورد في السنة النبوية، محذراً من الانجرار وراء التفسيرات الفلسفية أو الاجتهادات التي تتجاوز النصوص الصريحة.
في “الرسالة”، تناول الشافعي أهمية اللغة العربية في فهم القرآن، مؤكداً أن فهم النصوص الشرعية يتطلب فهماً عميقاً للغة التي نزل بها القرآن. كان الشافعي يؤمن بأن اللغة هي المفتاح الأساسي لفهم مقاصد الشريعة، ولذا كان يدعو إلى تعلم اللغة العربية بعمق وفهم قواعدها ونحوها. في هذا السياق، كان الشافعي يحذر من الاعتماد على الترجمات أو التفاسير التي قد تشوه المعاني الأصلية للنصوص القرآنية.
ومع ذلك، كان الشافعي واعياً بأن الاجتهاد البشري ضروري في بعض الأحيان، خاصة في القضايا الجديدة التي لم يُنص عليها في القرآن أو السنة. لكنه كان يضع شروطاً صارمة لهذا الاجتهاد، مشدداً على أن يكون مستنداً إلى النصوص الشرعية وليس إلى الأهواء الشخصية أو التفسيرات الفلسفية البعيدة عن النصوص. كان يرى أن الاجتهاد يجب أن يكون وسيلة لفهم النصوص وتطبيقها في سياق العصر، وليس لتجاوزها أو إلغائها.
بالرغم من الفارق الزمني الكبير بين الإمام الشافعي والمفكر علي محمد الشرفاء الحمادي، إلا أن هناك توافقاً كبيراً في أفكارهما حول ضرورة العودة إلى القرآن، الشافعي وضع الأسس التي يجب أن يُبنى عليها الفقه الإسلامي، معتمداً على القرآن والسنة، ومحذراً من الابتعاد عن النصوص الصريحة، بينما الحمادي جاء في العصر الحديث ليدعو إلى نفس الفكرة ولكن بتركيز أكبر على تجديد الفهم وتطبيق القرآن على الواقع المعاصر.
هذا التوافق يظهر جلياً في التأكيد على مركزية القرآن في حياة المسلمين، كمرجع أساسي لا يجب تجاوزه أو استبداله بأي مصدر آخر. فكلاهما يرى أن التمسك بالقرآن هو الحل للخروج من الأزمات الروحية والفكرية التي قد تواجه الأمة الإسلامية، وهو السبيل لضمان الوحدة والتقدم.
فالمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي يرى أن الإسلام يجب أن يُفهم ويُمارس وفقاً لتعاليم القرآن، بعيداً عن التفسيرات التي أضيفت عبر الزمن والتي قد تحمل تشويهاً للرسالة الأصلية. فهو يدعو إلى قراءة القرآن بروح جديدة، تفهم مقاصده وتستنبط منها الحلول للتحديات المعاصرة. وفي ذلك، يتفق مع الشافعي في أن القرآن يجب أن يكون المرجع الأول والأخير، ولكن الحمادي يضيف بعداً تجديدياً يدعو من خلاله إلى إعادة قراءة النصوص القرآنية بما يتناسب مع العصر الحالي، مع الحفاظ على الأصالة والتمسك بالمبادئ الأساسية.
هذا النهج التجديدي الذي يطرحه الشرفاء لا يتعارض مع رؤية الشافعي بل يكملها. بينما كان الشافعي يركز على ضرورة الالتزام بالنصوص الصريحة وعدم تجاوزها، يأتي الشرفاء ليضيف أهمية تفسير هذه النصوص في ضوء التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي شهدها العالم الإسلامي على مر القرون. هذا التكامل بين الرؤيتين يعكس فهمًا عميقًا لمكانة القرآن في حياة المسلمين، ويؤكد أن العودة إلى القرآن ليست مجرد دعوة للتقيد بالنصوص، بل هي دعوة لفهمها وتطبيقها بما يتناسب مع روح العصر ومتطلباته.
القول إن الدعوة للعودة إلى القرآن هي دعوة مستمرة عبر العصور، تكررت على لسان الإمام الشافعي وتتجدد اليوم من خلال أفكار علي محمد الشرفاء الحمادي. تلك الدعوة تشكل ركيزة أساسية للفكر الإسلامي، وتؤكد على أن القرآن يجب أن يبقى دائماً في مقدمة المشهد الفكري والتشريعي للأمة.