في مقال المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي بعنوان “العودة إلى المدارس.. فرصة لإعادة تأهيل الشباب نحو بناء المجتمع”، يطرح الشرفاء رؤية متكاملة حول استثمار الطاقات الشبابية وتوجيهها نحو بناء المجتمع، بدلًا من أن تكون عُرضة للانحراف نحو الجريمة والتطرف. يشير الشرفاء إلى أهمية التعليم كوسيلة أساسية في توجيه الشباب نحو الطريق الصحيح، مع التركيز على دور المؤسسات التعليمية والمدارس في بناء القيم الوطنية والدينية، وتحصين الشباب من الأفكار الهدامة.
التعليم كوسيلة لبناء المجتمع
وقالت الباحثة الدكتورة هبة البشبيشي، استاذ العلوم السياسية أن الأفكار المطروحة في المقال تتفق مع العديد من التحليلات التي تؤكد أن التعليم هو أساس بناء المجتمعات المتقدمة. إذ لا يمكن لأي دولة أن تحقق الأمن والاستقرار دون الاستثمار في الأجيال الصاعدة من خلال تقديم تعليم ذو جودة عالية يتماشى مع احتياجات العصر
أضافت أن المدارس ليست مجرد مؤسسات لتلقين المناهج الدراسية، بل هي محطات رئيسية لبناء الأفراد وتشكيل هوياتهم وتعزيز روح الانتماء لديهم، ولهذا، فإن الشرفاء قدم رؤى واقعية حول كيفية تفعيل دور التعليم في مواجهة التحديات الراهنة.
وأشارت البشبيشي إلى أن قضية العاطلين الشباب الذين انجرفوا نحو التطرف والجريمة ليست جديدة على الساحة السياسية والاجتماعية، ولكن تناول الشرفاء لها من منظور قومي يتطلب تأهيل هؤلاء الشباب من خلال مشروعات قومية تنموية، هو توجه يستحق الوقوف عنده، فبدلاً من تهميش هؤلاء الشباب أو اللجوء إلى العقوبات القاسية فقط، يقدم الشرفاء مشروعًا واقعيًا يشمل إعادة تأهيلهم وتوجيههم نحو إنتاجية تخدم المجتمع.
وتابعت ” مثل هذه المشروعات القومية التي دعا إليها الشرفاء يمكن أن تكون جزءًا من استراتيجية وطنية شاملة لإعادة هيكلة القوى العاملة وتحقيق التنمية المستدامة”.
أهمية التأهيل القومي للشباب
ومن هنا، ترى الباحثة أن المشروع الذي طرحه الشرفاء يمكن أن يكون جزءًا من حل متكامل يتطلب تكاتف الجهود بين مؤسسات الدولة المختلفة، فلا يمكن للمدارس وحدها أن تحل هذه الأزمة، بل يجب أن تتضافر الجهود بين وزارة التعليم ووزارات أخرى مثل الداخلية والزراعة والدفاع لتحقيق التوازن المطلوب، فعلى سبيل المثال، يمكن لوزارة الداخلية أن تقدم الدعم اللازم لحماية المدارس من أي تهديدات محتملة من التيارات المتطرفة، بينما تلعب وزارة الزراعة دورًا في توفير الفرص الاقتصادية للشباب العاطلين عبر مشروعات زراعية مستدامة.
تضافر الجهود بين المؤسسات المختلفة
إضافة إلى ذلك، تلاحظ الباحثة أن الشرفاء أشار إلى ضرورة مشاركة وزارات مثل الأوقاف في تأهيل الشباب من الناحية الدينية، وهو أمر بالغ الأهمية في وقت تشهد فيه المنطقة العربية تحديات كبيرة من التيارات المتطرفة التي تستغل الدين لتحقيق أهداف سياسية، موضحة أن إعادة توجيه الطاقات الدينية للشباب نحو مسارات بناء المجتمع يمكن أن يسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والنفسي، ويُحصن المجتمع من الانجراف نحو التطرف.
ومع ذلك، ترى الباحثة أن هناك تحديات عدة يجب مواجهتها لتحقيق الرؤية التي طرحها الشرفاء، من أهم هذه التحديات هو تأهيل المعلمين والإداريين في المدارس ليكونوا جزءًا من هذه المنظومة المتكاملة، فالمعلمون لا يجب أن يكونوا فقط ناقلين للمعرفة، بل يجب أن يلعبوا دورًا أكبر في توجيه الشباب نحو التفكير النقدي والبناء، وتحفيزهم على المشاركة الفعالة في تنمية مجتمعاتهم. ولهذا، يجب أن تركز وزارات التعليم على تطوير برامج تدريبية متقدمة للمعلمين تشمل تأهيلهم للتعامل مع التحديات الاجتماعية والنفسية التي تواجه الشباب اليوم.
ومن خلال هذا الطرح، تضيف الباحثة أن التعليم لا يمكن أن يكون فعّالاً إلا إذا تم دعمه بنظام اجتماعي واقتصادي مستدام يعزز من دور الشباب في المجتمع، فالشباب بحاجة إلى فرص حقيقية للمشاركة في سوق العمل، والتحدي الأكبر يكمن في تأمين بيئة اقتصادية تتيح لهم الاندماج في مجالات مختلفة تساهم في تطوير المجتمع.
من هذا المنطلق، يمكن توسيع مشروعات مثل تلك التي طرحها الشرفاء لتشمل برامج ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي توفر للشباب فرصًا ليصبحوا جزءًا من عجلة الإنتاج بدلاً من أن يكونوا عاطلين أو مستهدفين من قبل الجماعات المتطرفة.
دور التعليم الديني في مواجهة التطرف
إلى جانب ذلك، ترى الباحثة أن الشرفاء قد لمس نقطة حيوية تتعلق بربط التعليم بالقيم الدينية الصحيحة والوسطية، ما يعزز الوعي بين الشباب بأهمية فهم الدين بشكل صحيح بعيدًا عن الأفكار المتطرفة التي تروجها بعض الجماعات، هذا الربط بين التعليم والقيم الدينية يعزز مناعة الشباب الفكرية والنفسية، ويوجههم نحو تبني أفكار إيجابية تنعكس بشكل مباشر على سلوكياتهم ومساهماتهم في المجتمع، تحقيق ذلك يتطلب أيضاً تعاوناً قوياً بين المؤسسات الدينية والتعليمية لضمان تقديم محتوى ديني يتناسب مع روح العصر ويعزز من الانتماء الوطني.
الاستثمار في الإنسان أساس التنمية
في ختام ردها على مقال الشرفاء، تؤكد الباحثة الدكتورة هبة البشبيشي أن العودة إلى المدارس في مصر ليست مجرد عودة لتلقي العلم، بل هي فرصة ذهبية لتجديد العهد مع قيم الوطنية والانتماء، والعمل على تأهيل الشباب ليكونوا عناصر فاعلة في بناء مجتمعهم. ما طرحه الشرفاء هو نداء هام لضرورة الاستثمار في الإنسان كونه العنصر الأساسي في التنمية.