يعد التعليم العمود الفقري الذي تعتمد عليه المجتمعات في بناء مستقبلها وتشكيل أجيال واعية قادرة على قيادة الوطن نحو التنمية والتقدم، لا يمكن لأي دولة أن تحقق الاستقرار والتطور إلا من خلال نظام تعليمي قوي يدعم المعرفة ويعزز القيم الإنسانية والوطنية.
وفي مقال المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي بعنوان “العودة إلى المدارس.. فرصة لإعادة تأهيل الشباب نحو بناء المجتمع”، يطرح الشرفاء رؤى عميقة حول الدور الحاسم الذي يلعبه التعليم في توجيه الشباب نحو الطريق الصحيح وبناء أجيال تسهم بفاعلية في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويُسلط الضوء على المدارس كمنبر أساسي لتعليم القيم الوطنية والأخلاقية والدينية التي تشكل الأساس الأخلاقي للمجتمع.
وفي هذا الاطار يرى الدكتور خميس محمد خميس، عميد كلية التربية بجامعة السادات، أن التعليم ليس مجرد وسيلة لنقل المعرفة أو تلقين المعلومات، بل هو أداة فاعلة لإعداد الإنسان ليكون عضوًا منتجًا ومسؤولًا في المجتمع، فالتعليم هو الأساس الذي تقوم عليه الأمم، وهو الذي يشكل الوعي الجماعي ويعزز الشعور بالانتماء للوطن.
وبحسب خميس فإن ما طرحه المفكر الشرفاء من أفكار تتعلق بضرورة توجيه الطاقات الشبابية نحو البناء، يعكس واقعًا مهمًا، حيث إن التعليم هو السبيل الأمثل لاستغلال تلك الطاقات في خدمة المجتمع.
التعليم وبناء الهوية الوطنية
يشير خميس إلى أن التعليم هو العامل الأهم في بناء الهوية الوطنية، فالمدارس ليست فقط مكانًا لتعليم القراءة والكتابة، بل هي مؤسسات لتشكيل العقول وبناء الانتماء للوطن ، ومن خلال المناهج الدراسية والتربية الأخلاقية والدينية، يتم زرع قيم الانتماء والتفاني في خدمة الوطن. في مصر، على سبيل المثال، تُعد العودة إلى المدارس بمثابة بداية جديدة لزرع هذه القيم وتعزيز الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن. فالتعليم ليس فقط لتحصيل الدرجات الأكاديمية، بل هو أيضًا وسيلة لتشكيل الوعي الجماعي حول ما يعنيه أن تكون مواطنًا صالحًا يعمل من أجل تقدم مجتمعه.
ويضيف الدكتور خميس أن الأفكار التي طرحها المفكر الشرفاء تتماشى مع الرؤية التربوية الحديثة التي تؤكد على أهمية توجيه الشباب نحو الإنتاجية بدلاً من التهميش أو الانحراف. فبدلاً من أن يصبح الشباب عرضة للانحراف نحو التطرف أو الجريمة، يمكن للتعليم أن يوجههم نحو مسارات بناءة تساهم في تنمية المجتمع. وبناءً على ذلك، يمكن القول إن التعليم هو الركيزة الأساسية لتحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي.
التعليم كأداة لمواجهة التطرف
أحد أهم الجوانب التي تناولها المفكر الشرفاء هو دور التعليم في مواجهة الفكر المتطرف، وفي هذا الإطار يؤكد الدكتور خميس أن المؤسسات التعليمية هي السد الأول أمام التيارات الفكرية المتطرفة التي تحاول جذب الشباب إلى صفوفها، ومن خلال تقديم تعليم ديني وسطي ومتوازن يتماشى مع القيم الإسلامية الحقيقية، يمكن تحصين الشباب ضد الأفكار الهدامة. في هذا السياق، لا يجب أن يكون التعليم مجرد تلقين للمعلومات، بل يجب أن يتضمن برامج تفاعلية تغرس في الطلاب القدرة على التفكير النقدي وتحليل المعلومات من منظور عقلاني وواقعي.
كما يشير الدكتور خميس إلى أن التطرف يبدأ غالبًا من خلال استغلال الجهل والفقر واليأس، ولكن عندما يتم تقديم تعليم ذي جودة عالية يتضمن تطوير القدرات الفكرية والتحليلية للطلاب، فإنه يصبح من الصعب على تلك الأفكار المتطرفة أن تجد طريقها إلى عقول الشباب.
وأوضح أن التعليم هنا لا يقتصر على تقديم المعرفة الأكاديمية فقط، بل يشمل أيضًا تعزيز القيم الإنسانية والأخلاقية التي تساهم في بناء مجتمع متماسك ومحصن ضد الأفكار الهدامة.
تأهيل المعلمين.. حجر الأساس لنجاح العملية التعليمية
كما يرى الدكتور خميس أن نجاح العملية التعليمية يعتمد بشكل كبير على تأهيل المعلمين والإداريين إذ لا يمكن لأي نظام تعليمي أن يحقق أهدافه إذا لم يكن المعلمون مجهزين بالمهارات والمعرفة اللازمة لتوجيه الطلاب نحو النجاح. لذلك، يجب أن تكون هناك برامج تدريب مستمرة للمعلمين لتزويدهم بالقدرات التي تمكنهم من التعامل مع تحديات العصر الحديث. إن دور المعلم لا يقتصر على نقل المعلومات، بل يمتد ليشمل توجيه الطلاب نحو التفكير النقدي، وتعليمهم كيفية اتخاذ القرارات الصائبة، وغرس القيم الأخلاقية والدينية التي تساعدهم على أن يكونوا مواطنين صالحين.
يؤكد الدكتور خميس أن المعلم هو العامل الأساسي في نجاح أي نظام تعليمي. ومن هنا، يجب أن تولي الحكومات والمؤسسات التعليمية اهتمامًا خاصًا بتأهيل المعلمين وتحسين ظروف عملهم، ويجب أن يكون هناك تعاون بين وزارات التعليم والمؤسسات الأكاديمية لتطوير مناهج تعليمية تواكب متطلبات العصر وتعزز من دور المعلم كمرشد وموجه للشباب، وتتماشى هذه الرؤية أيضا مع ما طرحه المفكر الشرفاء حول دور التعليم في تأهيل الشباب وإعدادهم ليكونوا أدوات بناء لا أدوات تدمير.
التعليم كاستثمار في المستقبل
من وجهة نظر الدكتور خميس، التعليم هو استثمار في المستقبل، فالأمة التي تستثمر في تعليم شبابها هي الأمة التي تضمن مستقبلًا مشرقًا، فالتعليم ليس فقط لتحصيل المعرفة، بل هو وسيلة لتطوير المهارات وبناء القدرات التي يحتاجها المجتمع لتحقيق التنمية المستدامة، إن الأفكار التي طرحها الشرفاء حول أهمية تأهيل الشباب العاطلين وتحويلهم إلى قوة إنتاجية تعكس رؤية استراتيجية تعتمد على التعليم كعامل أساسي في تحقيق التنمية الشاملة.
يشير الدكتور خميس إلى أن التعليم يجب أن يكون متاحًا للجميع، بغض النظر عن خلفيتهم الاجتماعية أو الاقتصادية، فالحق في التعليم هو حق أساسي يجب أن تكفله الحكومات للجميع، من خلال توفير تعليم ذي جودة عالية للجميع، يمكن للمجتمعات أن تقلل من معدلات البطالة والجريمة، وأن تساهم في بناء اقتصاد قوي ومستقر، فالتعليم هو العامل الحاسم في تحقيق العدالة الاجتماعية، حيث يمنح الجميع الفرصة للمشاركة في بناء المجتمع وتحقيق الازدهار الاقتصادي.
التحديات التي تواجه التعليم في العصر الحديث
على الرغم من أهمية التعليم، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجهه في العصر الحديث، يشير الدكتور خميس إلى أن أحد أهم هذه التحديات هو التحول السريع في التكنولوجيا ومتطلبات سوق العمل، مؤكدا أن التعليم التقليدي لم يعد كافيًا لتأهيل الشباب لمواجهة تحديات المستقبل، لذلك يجب أن تكون هناك إصلاحات جذرية في نظم التعليم لتتماشى مع المتغيرات الحديثة، فالتكنولوجيا يجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من العملية التعليمية، حيث يمكن استخدامها لتعزيز التعليم وتحسين جودته.
إلى جانب ذلك، يشير الدكتور خميس إلى أن التعليم لا يمكن أن يكون فعالًا دون وجود بيئة اجتماعية واقتصادية تدعمه، فالطلاب بحاجة إلى بيئة آمنة ومستقرة تمكنهم من التركيز على دراستهم، لذلك يجب أن تكون هناك سياسات حكومية تدعم التعليم من خلال تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، ولا يمكن تحقيق النجاح التعليمي دون معالجة المشكلات الاجتماعية مثل الفقر والبطالة.
التعليم ودوره في تحقيق التنمية المستدامة
يرى الدكتور خميس أن التعليم هو الأساس لتحقيق التنمية المستدامة، ومن خلال تعليم الشباب المهارات اللازمة للعمل في مجالات مختلفة مثل التكنولوجيا والزراعة والصناعة، يمكن للمجتمعات أن تحقق الاكتفاء الذاتي وتعزز من قدراتها الاقتصادية، فالتعليم هو السبيل الوحيد لتحقيق تقدم حقيقي في مجالات التنمية المختلفة، لذلك يجب أن تكون هناك سياسات تعليمية تستهدف تطوير المهارات العملية والعلمية للشباب.
إن ما طرحه المفكر الشرفاء حول أهمية تأهيل الشباب وتحويلهم إلى أدوات بناء، يتماشى مع رؤية الدكتور خميس حول التعليم كوسيلة لتحقيق التنمية الشاملة، التعليم ليس فقط لتطوير القدرات الفردية، بل هو أيضًا عامل أساسي في بناء المجتمعات وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
التعليم كحماية من الانحراف