أثار المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في مقاله الأخير “دعوة للتفكر والتدبر في آيات القرآن”، نقاشًا حول أهمية التدبر في النصوص القرآنية، منتقدًا مبدأ “قطعية الثبوت والدلالة” الذي يعتبره عائقًا أمام حرية الفكر. وفي هذا السياق، علق الباحث التونسي بديع السعيداني على المقال، موضحًا أن تدبر القرآن يتطلب الالتزام بشروط وأدأب محددة لضمان الفهم الصحيح والمعمق للآيات.
يبدأ السعيداني بالتأكيد على أن أول شرط من شروط التدبر هو إدراك اللغة العربية بمعجمها من كل نواحيها، مؤكدا انه لا يمكن لأي شخص أن يتدبر القرآن بعمق دون فهم دقيق للغة العربية، فاللغة هي المفتاح لفهم النصوص القرآنية واستنباط التشريعات منها، مشيرا الى أن إهمال هذا الشرط يؤدي إلى سوء فهم النصوص وتفسيرها بطرق قد تكون مغلوطة.
يشدد السعيداني على ضرورة احترام جهود العلماء والمفسرين السابقين في تفسير القرآن، ويجب على المتدبر أن يدرك أهمية من سبق من أهل العلم في التفسير، وأن يكون على دراية بما قدموه من تفسيرات واجتهادات، معتبرا تجاهل هذه الجهود يعكس عدم احترام للتراكم العلمي الذي بناه العلماء عبر العصور.
يتناول السعيداني أهمية استحضار عظمة المتكلم في القرآن، مشددًا على أن القرآن هو كلام الله تعالى، لذا يجب على المتدبر أن يستحضر عظمة المتكلم وأن يشعر بأنه المخاطب من الله في القرآن ، مؤكدا أن صدق الطلب والرغبة وقوة الإقبال على كتاب الله هي من الشروط الأساسية لتدبر القرآن بصدق وإخلاص.
يؤكد السعيداني أن قراءة القرآن يجب أن تكون بهدف الامتثال وتطبيق ما جاء فيه على الواقع، بينما التدبر لا يكون مجرد قراءة سطحية للنصوص، بل يجب أن يقرأ القرآن ليمتثل، ويتم تطبيق ما يتعلمه على حياته اليومية، وهذا الشرط يعزز من أهمية التدبر ويجعل القرآن جزءًا لا يتجزأ من حياة المسلم.
ويشدد السعيداني على أهمية الملاحظة العلمية الدقيقة والتروي في طرح الملاحظات والتساؤلات حول الآيات القرآنية، مضيفا انه يجب على المتدبر أن يكون على دراية بالتقدم العلمي الحديث وأن يستحضر روح البحث والملاحظة العلمية الدقيقة، وبحسب السعيداني فإن التسرع في تقبل الأفكار قبل التأكد من صحتها قد يؤدي إلى تفسيرات خاطئة.
كما يؤكد السعيداني أن العلم برسوم القرآن وحدوده، ومعرفة أحكام التجويد وعلامات الوقف وغيرها هي من الشروط الأساسية للتدبر، فهذه المعرفة تساعد على فهم معاني القرآن الكريم والوقوف على مراد الله تعالى، كما يشدد على أهمية المعرفة العامة بمعاني القرآن الكريم لتجنب التقول على الله بما لم يقل.
كما يؤكد الباحث التونسي على أن التدبر لا يجب أن يقتصر على حدود اللغة والفقه فحسب، بل يجب على المتدبر أن يفتح قلبه لأن يكون وعاءً لما يقذفه الله تعالى فيه، وما يجريه على عقله من معاني وخواطر، والتدبر يجب أن يكون شاملاً ومفتوحًا على مختلف الجوانب الإنسانية والدينية.
يرى الباحث بديع السعيداني أن دعوة المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي للتفكر والتدبر في آيات القرآن هي دعوة مشروعة ومهمة، ولكنها تحتاج إلى أن تكون مؤطره بشروط وأدأب محددة لضمان الفهم الصحيح للنصوص.
كما يشدد السعيداني على أن التدبر يجب أن يكون مبنيًا على فهم دقيق للغة العربية، واحترام جهود العلماء السابقين، واستحضار عظمة المتكلم في القرآن، وصدق النية، والتروي في الطرح، والعلم بالتجويد ومعاني القرآن، وعدم الانحصار في حدود اللغة والفقه فقط. وبحسب السعيداني فبهذه الشروط يمكن للمسلمين أن يستفيدوا من التدبر ويحققوا التقدم والازدهار في حياتهم.