نستعرض بحث بعنوان لعبد الرحمن الكيلاني: أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة، الجامعة الأردنية ويفتتح الباحث دراسته بقول الله تعالي قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 130.)
ويشير الي ان الآية الكريمة بينت وحدة الجنس الإنساني والأصل الواحد الذي انبثقت عنه قبائل الأرض وشعوبها، وأن لهذا التنوع والاختلاف مقصدا وغاية تتمثل في التعارف والتعايش والتساكن بين شعوب الأرض وأممها.
باحث اردني
القرآن الكريم بين حدة الجنس الإنساني والأصل الواحد الذي انبثقت عنه قبائل الأرض وشعوبها، وأن لهذا التنوع والاختلاف مقصدا وغاية تتمثل في التعارف والتعايش والتساكن بين شعوب الأرض وأممها.
وهذا الخطاب القرآني الجامع الذي يؤكد على القواسم المشتركة بين شعوب الأرض يعالج مشكلة قديمة جديدة واجهت التجمعات البشرية وهي: أن اختلافها يغري دائما باقتتالها وتصادمها، وذلك انتصارا للعرق أو اللون أو الإقليم أو الدين.
وقد قدّم القرآن الكريم نظرة جديدة تؤسس لتفاهم المجتمعات الإنسانية وتصالحها وتعاونها على الخير عندما رفض كل أشكال التصنيف العنصري بناء على اللون أو العرق أو الدم، ودعا إلى أن يكون اختلافها سببا في تعاونها لا تصادمها واقتتالها.
فالاختلاف وفق المنهج القرآني، ووفق المقصد القرآني، لا يصح أن يكون سببا للتصادم والاقتتال أو البغي والعدوان، وإنما هو دافع للتعارف والتعاون والتكامل.
وبهذا فإن القرآن الكريم يسقط جميع الاعتبارات والدوافع التي تحض على ممارسة العنف أو الإرهاب ضد الآخر لإذلاله أو إقصائه من الوجود، وذلك عندما يربي أتباعه على قبول الآخرين والتعاون معهم على كل ما فيه خير الإنسان ونفعه وصلاحه.
وهو ما أكده المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي حين أشار في كتبه ان المسلمون يتبعون الرسول عليه السلام بما أنزل إليه فى الكتاب الحكيم من تشريعات وعبادات وأحكام ومنهج للعلاقات الإنسانية فى قرآن كريم خطاب الله لخلقه كلف الله به رسوله ليبلغه للناس مرجعية وحيدة لرسالة الإسلام تتضمن شروطا لمن يريد أن ينتمي لدين الإسلام من ضمنها قوله سبحانه مخاطبا رسوله عليه السلام (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)) البقرة:٢٨٥
علي محمد الشرفاء يتسائل
مادام الله سبحانه أمرنا ان نؤمن بكتبه ورسله ولا نفرق بين أحد من رسله فبأي سند وحكم يفرق المسلمون بين أتباع الكتب والرسل الذين فرض الله على المسلمين أن يؤمنوا بكتبهم ورسلهم والذين يعيشون معهم فى وطن واحد؟
موضحا ان ذلك حكم وشرط وضعه الله للناس لمن يريد أن يدخل الإسلام أن يلتزم المسلم بكل ماجاء فى آيات القرآن من تشريعات وأحكام ومنهاج حياة فى العلاقات والمعاملات يطبقها الإنسان حيث يري المفكر العربي الشرفاء انه مادام الله سبحانه أمرنا ان نؤمن بكتبه ورسله ولا نفرق بين أحد من رسله فبأي سند وحكم يفرق المسلمون بين أتباع الكتب والرسل الذين فرض الله على المسلمين أن يؤمنوا بكتبهم ورسلهم والذين يعيشون معهم فى وطن واحد؟! أليس ذلك الموقف السلبى من إخوتهم أهل الكتاب واعتبارهم أهل ذمة جحد لحكم الله وتشريعاته وتراجع عن التزامهم بالشرط والحكم الإلهي لكي يصح إسلام الإنسان عليه أن يؤمن بالرسل جميعا وبكتبهم التى أنزلها الله عليهم ليبلغوا الناس آياته وتشريعاته
ويتسائل الباحث الاماراتي والمفكر العربي علي الشرفاء كيف يُفضل المسلم على غيره والعيوب فى المسلمين لا يراها إلا الأعمي أساءوا للإسلام وشوهوا صورته الطاهرة وأساءوا للرسول عليه السلام بتصرفاتهم التى لا تتفق مع تشريعات القرآن وما يأمرهم به الله سبحانه من رحمة وعدل وحرية وسلام وإحسان وتحريم العدوان وقتل الإنسان.
وهو ما يؤكد عليه البحث المعنون بمقاصد القرآن الكريم وأثرها في بناء المشترك الإنساني لعبد الرحمن الكيلاني: أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة، الجامعة الأردنية حيث قال “لقد غذّى القرآن الكريم هذا الاتجاه الإنساني الإيجابي في العلاقة بين الشعوب والأمم من خلال الخطابات الجامعة الموجهة للناس كافة ولبني آدم أجمعين، بقطع النظر عن انتماءاتهم وأجناسهم وألوانهم، وهذا ظاهر في الكثير من الخطابات القرآنية كما في:
قول الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
وقوله سبحانه ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف : 158].
وقوله سبحانه: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الحج: 49].
وقوله سبحانه: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 27].. إلى غيرها من الخطابات القرآنية التي تظهر فيها النظرة الحانية لكل بني آدم على امتداد وجودهم في هذه الحياة، وتؤكد على وحدة الجنس الإنساني ووحدة أصله وأساسه، وأن بني آدم هم أبناء أسرة واحدة أبوهم واحد وأمهم واحدة، وأنه ينبغي أن يكون بين أفراد الأسرة الإنسانية الكبيرة والممتدة من علاقات الود والبر والاحترام، ما يكون بين أفراد كل أسرة تشترك في وحدة الأصل والأساس. وينهي الكاتب بحثة بقوله “وهذا ما يمكن أن نعبر عنه بالدعوة إلى (التراحم الإنساني) الذي يتسع لسائر الشعوب والأمم الإنسانية. وإن مقصد التعارف الإنساني مقدمة وتوطئة لتحقيق جملة من المقاصد الأخرى التي تعزز من بناء المشتركات الإنسانية الجامعة، ففي التعارف تحقيق لمبدأ التفاهم الإنساني والوصول إلى الأرضية المشتركة التي تقبل البناء عليها والانطلاق منها إلى مجالات أرحب وأوسع. كما أن في التعارف حضا على التعاون في تدبير أمور التعايش المشترك في جميع المجالات الحيوية، بحيث لا يبقى التعارف مجرد مجاملات وملاطفات، وإنما يتحول إلى إنجاز إنساني يجد آثاره وشواهده وتجلياته في مجالات الحياة المختلفة.