تعد الصراعات المذهبية أحد التحديات الكبرى التي تواجه المجتمعات في العديد من المناطق حول العالم. تنشأ هذه الصراعات عندما تتصادم المعتقدات والممارسات الدينية المختلفة، وتتفاقم بسبب الخلافات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. في هذا السياق، يشير المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في مقاله “بين المذاهب والسياسة” إلى أن ظهور المذاهب المختلفة من سُنة وشيعة وغيرها، كان مدفوعًا بالسياسة والتمييز وخلق طوائف متعددة. كل طائفة تستند إلى مرجعية ابتدعت روايات لا أصل لها في القرآن الكريم، واختلقت أخباراً وأحاديث منسوبة للنبي محمد ﷺ لتكون قاعدة لبناء فقه ديني خاص بها يختلف عن الطوائف الأخرى. هذا أدى إلى تفرق المسلمين إلى شيع وأحزاب، وهدف ذلك هو تحقيق مآرب أعداء الإسلام بجعل المسلمين ينصرفون عن القرآن الكريم، مما يسهل عليهم تفريقهم وزرع الفتن بينهم.
وحول هذا الموضوع ناقشت “رسالة السلام” الاستاذ تيجانا يوسف زاريا الباحث المتخصص في تراث الفرق الإسلامية وأثره على العنف السياسي بجامعة الازهر بالقاهرة والمقيم بدولة نيجيريا، حيث اتفق مع مقال المفكر علي محمد الشرفاء فى أن اختلاف العقائد والمذاهب تؤثر على فهم وتفسير القرآن وتؤدى إلى انتشار العنف .
- هل يمكن أن توضح لنا هل خضعت آيات القرآن للشكوك والتضليل من قبل تلك الفرق وما اثر ذلك؟
القرآن الكريم يعتبر لدى المسلمين كلام الله النقي، وهو مصدر الهدى والإرشاد. تقترب الآراء حول هذا الموضوع بشكل كبير من منظور الإيمان والتعبير الديني، وهناك اعتقاد متوسط بأن القرآن محفوظ من التغيير والتبديل، وهو غير قابل للتحريف أو التلاعب، ولكن يجب أن نفرق بين ما يمكن المناقشة حوله أو التشكيك فيه، فيمكن أن تختلف وجهات النظر في تفسير الآيات القرآنية، وقد تختلف الآراء بشأن المعاني والسياق والتطبيقات المحددة للآيات.
كما يجب أن تعلم أن بعض النصوص القرآنية قد تترك مساحة للتفسير الشخصي والاجتهاد، وهذا يمكن أن يؤدي إلى وجود تنوع في الفهم والاستنتاجات خاصة انه بالرغم من أن اللغة العربية التي كُتب بها القرآن هي لغة دقيقة وغنية، إلا أن بعض الكلمات والعبارات قد تكون موضوعًا لتفسير متعدد وفقًا للسياق.
ففي العصر الحديث، يمكن أن تثار بعض التساؤلات بناءً على تطور العلوم والتكنولوجيا. ومن هنا يمكن أن تنشأ مناقشات حول كيفية فهم النصوص القديمة في هذا السياق الجديد. لكن على الرغم من هذه النقاط، يظل هناك اتفاق كامل بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يخضع للتغيير أو التلاعب وتظل هذه القضية قضية دينية عميقة الروحانية، ويتعلق التفسير والاستدلال بالقرآن بإطار ديني وثقافي.
فالمناقشة والنقاش حول القرآن الكريم مسموح بها ومهمة، ويمكن أن تساهم في فهم أعمق وأوسع لمعانيه، ومع ذلك، يجب مراعاة الاحترام والتقدير للآراء والمعتقدات المختلفة في هذا السياق.
- بصفتك متخصص في الفرق الإسلامية ما هي ابرز الاختلافات بين الفرق حول تفسير القرآن الكريم ؟
الفرق الإسلامية قد تختلف في بعض الجوانب المتعلقة بالقرآن الكريم، وقد تشمل هذه الاختلافات مجموعة من المسائل والقضايا. من بين الأمور التي قد تسببت في الخلاف بين الفرق الإسلامية القديمة حول القرآن اختلافات في تفسير بعض الآيات والمفاهيم القرآنية. تلك الاختلافات قد تكون بسبب الاعتماد على مناهج تفسير مختلفة أو الاستناد إلى العلماء المختلفين في مذاهب معينة. وبعض الفرق قد اختلفت فيما إذا كان هناك تغيير أو تبديل لبعض الآيات القرآنية على مر الزمن وتاريخياً، هناك توجهات وآراء مختلفة حول هذه المسألة خاصة أن اختلافات العقائد والمذاهب قد تؤثر على الفهم والتفسير للقرآن. فبعض الفرق تأخذ منهجاً معيناً في تفسير القرآن بناءً على عقائد خاصة بها.
فمثلا يعتقد البعض أن القرآن الكريم قد أُنزل بأكثر من قراءة وتلاوة، وهذه القراءات الشرعية تختلف في بعض الكلمات والتفاصيل وهذا ليس تغييرًا في مضمون الآيات، وإنما تختلف القراءات في اللفظ والترتيل.
وبعض الفرق تعتقد أنه قد تمت إضافة بعض الكلمات أو التعديلات البسيطة في بعض النسخ المخطوطة القديمة، ومع ذلك، يجب أن نلاحظ أن هذه الآراء تعتمد على الأدلة المحدودة والمتناقضة، ولا يوجد دليل قوي يثبت وجود تبديلات كبيرة.
ويجب أن تعلم انه قد ظهرت تيارات إسلامية نصرانية مبكرة تشكك في صحة القرآن وتقول أن هناك تغييرات حدثت في النص القرآني وقد تناقشت هذه الآراء مع العلماء المسلمين على مر العصور.
وقد قام العلماء والباحثون الحديثين بدراسات شاملة للنصوص المخطوطة للقرآن، ولم يتوصلوا إلى أدلة قوية تثبت وجود تغييرات كبيرة في النص، فمعظم الفرق الإسلامية والعلماء يعتبرون القرآن محفوظًا من التبديل والتحريف، وهم يؤمنون بصحة النص القرآني كما جاء في الزمن النبوي.
بشكل عام، يعتبر العديد من العلماء والمفسرين القرآنيين أن القرآن الكريم محفوظ بشكل دقيق من التغيير والتبديل، وتظل هذه القضية جزءًا من الاعتقادات الدينية والتوجهات المذهبية.
- ما هو موضوع فرق الإسلام النصراني ؟
في الفترات التي تلت بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ظهرت بعض التيارات والجماعات النصرانية القديمة التي حاولت التشكيك في صحة القرآن الكريم وتقديم حجج تثبت أن هناك تغييرات حدثت فيه وهذه التيارات تعرف باسم “القرشية”، وقد انبثقت في أواخر القرن الأول وبداية القرن الثاني للهجرة.
وتُعَدُّ القرشية واحدة من الجماعات النصرانية الأقدم التي قامت بمحاولات للتأثير على العقائد الإسلامية، وكان لديها توجه نصراني مشابه للجماعات الأخرى مثل الإبنيين والناصريين، وادعت القرشية أن القرآن الكريم قد تأثر بالكتاب المقدس النصراني (الإنجيل) وأنه تعرض للتغيير والتبديل.
ومن بين حججهم كانوا يشيرون الى الاختلافات النصرانية في الإنجيل ويقترحون أن نفس الأمور قد حدثت في القرآن، وقد قاموا أيضاً بتفسير القرآن بطرق مختلفة لدعم وجهات نظرهم.
من الجدير بالذكر أن العلماء المسلمين والمفسرين وقفوا ضد هذه الاتهامات وأبدوا تأكيدهم على أن القرآن الكريم هو كلام الله المحفوظ وغير مبدل أو مغير.
- هل كان للفرق التي ظهرت بعد وفاة النبي اثر مباشر على انتشار العنف بسبب ارائهم حتى الأن؟
نعم، بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ظهرت فرق دينية ومذاهب في الإسلام، وقد ترافقت ببعض الصراعات والاختلافات. هذه الاختلافات لم تكن في البداية بالضرورة متعلقة بالعنف، ولكن مع مرور الوقت وتطور الأحداث، بدأ بعضها يتطور إلى صراعات وصدامات قد تشمل أوجهًا من العنف فبعد وفاة النبي، نشأت خلافات حول من يجب أن يكون خليفة للمسلمين وهذه الخلافات أدت في بعض الأحيان إلى نشوب صراعات مسلحة، مثل صراع كربلاء الذي وقع بين أتباع الإمام علي وقوات الخلافة الأموية، ومع مرور الوقت، تطورت الفرق الدينية إلى مذاهب مختلفة في الإسلام وهذه المذاهب قد ترتبط بصراعات وتوترات في بعض الأحيان، مثل الصراعات بين الشيعة والسنة في مراحل مختلفة من التاريخ، فبعض الخلافات قد تكون متشعبة بسبب الصراعات الإقليمية والسياسية. مثلاً، في بعض الفترات التاريخية، تصاعدت التوترات بين الدول الإسلامية المختلفة مع اتساع نفوذها وتنافسها خاصة مع زيادة الاختلافات في التفسير الديني التي أدت في بعض الأحيان إلى نشوب نقاشات حادة وصراعات حول العقائد والقوانين ساعدت على انتشار الصراعات والعنف في بعض الفترات التاريخية فبعد وفاة الخلفاء الراشدين نشأت خلافات بين الشيعة والسنة حول الخلافة والقيادة الدينية هذه الخلافات أدت في بعض الأحيان إلى صراعات مسلحة، مثل الصراعات بين الدولة الأموية والإمامية الشيعية، ومعركة كربلاء عام 680م. بالإضافة إلى الخلافات السياسية، ظهرت خلافات عقائدية أدت إلى صراعات. مثلاً، صراع القدر بين المعتزلة والأشاعرة والمرجئة، وصراعات حول تأويل الآيات والأحاديث الدينية.