ينسى الكثيرون أن الطلاق ما جُعل إلا استثناء عندما تستحيل الحياة بين الزوجان لأسباب قوية مفهومة، ولكن للأسف أغلبية المجتمع الآن اصبحت كلمة الطلاق عنده رداً لأى شيء وليس رداً على مشكلة.
ومن هنا كان لنا حوارا مع الدكتورة سماء نصار، أخصائي مشاكل الأطفال والاستشارات النفسية والزوجية” حول ماهية هذه المشكلة الكبرى التي يعانى منها مجتمعنا الآن بصورة كبيرة والتي قالت ان جوهر العلاقة بين الزوجان هو الحب الذى يجمع بين قلبي الرجل والمرأة مؤكدة ان الطلاق ليس حل.
واتفقت استشاري الطب النفسي مع المفكر العربي علي محمد الشرفاء في أن الله أحلَّ الطلاق وأبغضه في الوقت ذاته، ولا يبغض الله إلا كريهًا وسيئًا، ويحذر الله دائمًا من كل ما يسيء إلى أية علاقة إنسانية، وكل ما يقطع التلاحم الذي أوجده بين الذكر والأنثى، حيث قال المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في كتابة الطلاق يهدد امن المجتمع ” حينما جعل الله سبحانه كلا من الزوجين سكنا لصاحبه جعلهما يتعاملان بالمودة والرحمة فيما بينهما لينشئا مناخًا آمنًا ومستقرًا لحياة طيبة لتربية الأطفال ورعايتهم، علماً وأخلاقًا ودينًا، ولو أخلص الفقهاء للمسلمين في توضيح مقاصد آيات القرآن الكريم ووصية الله لترشيد الزوجين لتحقق لهما الحياة الطيبة، بأن يصبح كل منهما سكنا للآخر لتعريف الزوجين بالمقاصد الخيرة للموعظة الإلهية لتحقيق الطمأنينة والمودة والرحمة بينهم وطبقوها لاستطاعا ان يحولا بيتهم إلى جنة ترفرف عليه السعادة والأمان، ولتجاوزا كل الخلافات وسوء الفهم لتستمر الحياة بالمعاملة الحسنة بينهما، حيث سترتقى المجتمعات العربية والإسلامية في التعليم والإبداع والمساهمة الإيجابية في تقدم البشرية في كل المجالات”
وأضافت أستاذ الطب النفسي ان الطلاق ما هو إلا نهاية علاقة بين رجل وامرأة جمعهما الله في لحظة ما، ففي لحظة الزواج تمتلئ الصدور بالحب والرحمة، وفي لحظة الطلاق تمتلئ بالبغض والكراهية، وهي لحظة حزينة جدًّا، لا يعرف قدرها إلا الذين مرُّوا بهذه التجربة، حتى الذي سعى للطلاق، وتمناه هروبًا من معاناة، يحزن أيضًا في هذه اللحظة، فهي لحظة يشعر فيها الإنسان بالفشل الحقيقي، فهو فشل فيما نجح فيه أبسط إنسان، لحظة لا ينفع فيها علم أو سلطان أو مال، الجاهل في هذه اللحظة قد يكون أسعد من المتعلم، والفقير أسعد من الغني، لحظة لا يوجد فيها أحد سعيد.
واشارة الي انه نادرًا ما يتم الطلاق فجأة ودون مقدمات، فحقيقة الأمر أن الطلاق يتم على مراحل، فلحظة الطلاق هذه تسبقها شهور وأحيانًا سنوات من التفكير في إنهاء العلاقة، شهور وسنوات بدأت فيها المشاعر بالتوقف، حتى المشاعر السلبية، وكان يسبق هذا التوقف الكثير من الصراعات المستمرة المريرة، حتى أصبح أحدهما لا يرى الآخر ولا يسمعه.
وقالت إذا أعدنا النظر إلى هذه العلاقة قبل اتخاذ قرار الزواج، سنجد أننا أمام إنسان غير مهيأ للزواج، أو لا يستحق نعمة الزواج، أو إنسان لا يُقدِّس أي علاقة إنسانية، وإنسان لا يستطيع أن يُحب، فالزواج والحب شيء واحد، فكيف إذن يتزوَّج من لا يستطيع أن يحب؟ فهو لا يحب إلا نفسه، ولا يُعجب إلا بنفسه، وعدم القدرة على الزواج مرتبطة بالأنانية والنرجسية، بينما الزواج امتزاج وذوبان، وهناك نماذج عديدة لا تصلح للزواج، ولكن بعضها قد يتزوج، ولكنه يكون زواجًا مليئًا بالقلق وعدم الاستقرار، زواجًا يفشل قبل أن يبدأ، وهذا الفشل يبدأ من أعماق طفولة هذا الإنسان الفاشل في الزواج.
وأشارت الي انه يتكوَّن عند المرء وهو طفل نموذج للعلاقة بين الرجل والمرأة من خلال معايشته لأبيه وأمه، فمعهما تلقَّى أول درس عن معنى الرجل والمرأة، ثم معنى الذكورة والأنوثة، ثم شكل العلاقة بين الرجل والأنثى، وكيفية الاتصال والتواصل بينهما، ثم يتلقى منهما دروسًا عن شكل الصراعات التي من الممكن أن تقوم بين أي زوجين، فتصبح هذه دروسه الثابتة، فيعيد التاريخ نفسه، ومن شابه أباه فما ظلم، وكل فتاة تصبح مثل أمها.
وفي ذات السياق قالت أيضا ان هناك شخصيات لا تصلح للزواج، وإذا تزوَّجت تكون حياتها الزوجية مُهدَّدة بالطلاق، هي شخصيات من الصعب الحياة معها، صنَّفها الطب النفسي وأعطاها أسماء وحدَّد لهم سمات، يمثلها أشخاص موجودون حولنا، يجعلون الحياة مليئة بالقلق والعذاب، خالية من الطمأنينة، ويذكر الكاتب أولى هذه الشخصيات، وهي الشخصية النرجسية التي لا ترى إلا نفسها، لا يحمل صاحبها أي مشاعر لأي إنسان، وإذا أعطى فمن أجل مصلحة، ولهذا لا يوجد حوله أصدقاء ولا أحباء دائمون، وكل هذا يجعل الحياة الزوجية معه صعبة، فهو لا يستطيع أن يُحِب، وبالتالي فهو لا يُحَب، فتصبح حياة بلا مودة، لا يحتملها بعض الناس، فتنتهي هذه الحياة بالطلاق، وثاني هذه الشخصيات هي الشخصية الاضطهادية؛ كل الناس في نظر هذه الشخصية سيئون،
وفي نهاية الحديث اشارت د/ سماء نصار أخصائي مشاكل الأطفال والاستشارات النفسية والزوجية الي ان الطلاق ليس حلًّا، وليس الكلمة الأخيرة، وليس سهلًا، بل هو كابوس قد تستمر آثاره سنوات طويلة، والحياة بعد الطلاق في الغالب تكون أسوأ، وحياة الوحدة قاسية، وزواج انتهى إلى طلاق لم يكن زواجًا، أو أن أحد طرفيه أو كليهما لا يصلحان للزواج، وفشل الزواج مسؤولية مشتركة يتحملها الطرفان إلا في أحوال قليلة، حيث يكون طرف معتديًا وشاذًّا وغريبًا، وطرف آخر هو الضحية.