في مقال المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، الذي يحمل عنوان “العودة إلى المدارس.. فرصة لإعادة تأهيل الشباب نحو بناء المجتمع”، تبرز عدة مفاهيم محورية، تتعلق بأهمية التعليم كركيزة أساسية في حماية المجتمع والدولة من التهديدات الداخلية والخارجية، وخاصة مخاطر الاحتلال والتأثيرات السلبية الناتجة عن ذلك. في هذا السياق، يؤكد الدكتور سامح عباس، أستاذ اللغة العبرية بجامعة قناة السويس، أن التعليم يلعب دورًا حاسمًا في تمكين الشباب وتجهيزهم للدفاع عن الوطن على مختلف الأصعدة، سواء من خلال تنمية الوعي الثقافي والوطني، أو من خلال تعزيز الاقتصاد الوطني، وهو ما يشكل جدار حماية قويا للدولة.
التعليم كأداة لتعزيز الوعي الوطني وحماية الهوية
من وجهة نظر الدكتور سامح عباس، التعليم لا يقتصر على نقل المعرفة الأكاديمية فقط، بل يمتد ليشمل غرس القيم الوطنية وتعزيز الهوية الثقافية في نفوس الأجيال الجديدة، خاصة أن إحدى المخاطر الكبرى التي تواجه الدول في ظل التهديدات الخارجية، مثل الاحتلال أو التدخلات الخارجية، هي فقدان الهوية الوطنية وتعرض الثقافة المحلية للذوبان أو التلاشي.
أضاف أن التعليم هنا يلعب دورًا أساسيًا في مواجهة تلك التهديدات من خلال بناء الوعي الوطني لدى الشباب، وتمكينهم من فهم تاريخهم وموروثهم الثقافي.
في هذا السياق، يرى الدكتور سامح أن ما طرحه المفكر الشرفاء يتماشى مع أهمية المدارس كمؤسسات أساسية لتعليم القيم الوطنية وتعزيز الانتماء للوطن، إن المدارس هي الحصن الأول الذي يقي الشباب من التأثيرات الخارجية التي قد تسعى إلى تقويض الهوية الوطنية، سواء عبر التأثير الثقافي أو الفكر السياسي، ومن خلال مناهج تعليمية تركز على التاريخ الوطني، واللغة العربية، والوعي بالثقافات الأخرى، يمكن للطلاب أن يكونوا مدركين للتحديات التي تواجه دولتهم، وقادرين على مواجهة أي محاولات للهيمنة الثقافية أو الفكرية.
حماية الدولة من الاحتلال الثقافي والفكري
يعتبر الدكتور سامح أن الاحتلال لا يتمثل فقط في السيطرة العسكرية أو الجغرافية، بل يمتد إلى أشكال أخرى مثل الاحتلال الثقافي والفكري، هذه الأنواع من الاحتلالات قد تكون أخطر من الاحتلال العسكري، حيث إنها تستهدف العقل والهوية وتعمل على إضعاف الأمة من الداخل، التعليم هنا يصبح وسيلة فعالة لمواجهة هذا النوع من الاحتلال، من خلال تعزيز قدرات الشباب على التفكير النقدي والتحليل، وتمكينهم من التمييز بين الأفكار البناءة والأفكار الهدامة.
إن مواجهة الاحتلال الثقافي تتطلب نشر الوعي بين الشباب بأهمية الحفاظ على القيم الثقافية والدينية، مع فتح الباب أمام التفاعل الإيجابي مع الثقافات الأخرى. يؤكد الدكتور سامح أن التعليم المتوازن الذي يجمع بين تعزيز الهوية الوطنية والانفتاح على العالم يمكن أن يحمي المجتمع من خطر الانزلاق نحو التبعية الفكرية أو الثقافية لأي قوى خارجية، وهو ما يشكل جزءًا من رؤية الشرفاء في توجيه الطاقات الشبابية نحو الإنتاجية والإيجابية بدلاً من أن يكونوا عرضة للتأثيرات السلبية.
دعم الاقتصاد من خلال التعليم
إلى جانب حماية الدولة من مخاطر الاحتلال، يلعب التعليم دورًا حيويًا في دعم الاقتصاد الوطني، الدكتور سامح يشير إلى أن التعليم هو المفتاح الرئيسي لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، من خلال تعليم الشباب المهارات اللازمة لسوق العمل، وتوجيههم نحو الابتكار وريادة الأعمال، يمكن تحقيق نمو اقتصادي يساهم في تعزيز قوة الدولة على المستوى الداخلي والخارجي.
يشير الدكتور سامح إلى أن اقتصاد أي دولة هو الدعامة الأساسية لبقاء تلك الدولة وصمودها في وجه التحديات، عندما يكون الاقتصاد قويًا، فإن الدولة تكون أقل عرضة للتدخلات الخارجية والاحتلال، لأن القوة الاقتصادية تمنحها استقلالية في اتخاذ قراراتها السياسية والاقتصادية، التعليم هنا يلعب دورًا أساسيًا في توفير العمالة الماهرة التي يمكنها قيادة عجلة الاقتصاد نحو التقدم والازدهار.
وفي هذا الإطار، يرى الدكتور سامح أن مشروع التعليم القومي الذي طرحه الشرفاء يتماشى مع احتياجات المجتمع من حيث توجيه الشباب نحو مسارات مهنية وزراعية تساهم في تنمية الاقتصاد الوطني، إن تحويل الطاقات الشبابية المعطلة إلى قوة إنتاجية هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات الاقتصادية وزيادة قدرة الدولة على مواجهة الضغوط الخارجية.
الاستثمار في التعليم كاستراتيجية دفاعية
من وجهة نظر الدكتور سامح، التعليم لا يجب أن يُنظر إليه فقط كوسيلة لتحقيق التنمية الداخلية، بل هو أيضًا استراتيجية دفاعية تحمي الدولة من التهديدات الخارجية، عندما يكون لدى الدولة نظام تعليمي قوي، فإنها تكون قادرة على إنتاج جيل من الشباب المثقف والمتعلم الذي يمكنه التصدي لأي محاولات للاحتلال أو التدخل، فالتعليم هو الخط الأول للدفاع عن الدولة، حيث يعزز من قدرات الشباب على الابتكار وتطوير الحلول للمشكلات التي قد تواجه بلادهم.
يقول عباس إن استثمار الدول في التعليم هو بمثابة استثمار في أمنها القومي، من خلال تطوير المناهج التعليمية التي تعزز من قدرات الشباب الفكرية والعلمية، يمكن للدولة أن تبني جيشًا من العقول القادرة على حماية الوطن، سواء في مجالات التكنولوجيا أو العلوم أو الزراعة أو غيرها من المجالات الحيوية، كما أن التعليم يساهم في تعزيز الروح الوطنية لدى الشباب، مما يجعلهم مستعدين للدفاع عن بلادهم في أي وقت.
التعليم والاقتصاد كعاملين متكاملين لحماية الدولة
يرى الدكتور سامح أن التعليم والاقتصاد لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض عندما يتعلق الأمر بحماية الدولة، فالتعليم هو الذي يخلق القوى العاملة الماهرة التي تقود الاقتصاد، والاقتصاد القوي هو الذي يدعم التعليم ويوفر له الموارد اللازمة للتطور، هذا التكامل بين التعليم والاقتصاد هو ما يحمي الدولة من أي محاولات للسيطرة عليها سواء من خلال الاحتلال العسكري أو الاقتصادي أو الثقافي.
كما أن التعليم الجيد – وفقا لعباس – يساهم في تقليل معدلات البطالة والفقر، وهما من أهم العوامل التي تؤدي إلى الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، عندما يكون لدى الشباب فرص تعليمية جيدة ووظائف تتيح لهم العيش بكرامة، فإنهم يكونون أقل عرضة للتأثر بالأفكار المتطرفة أو الدعوات التخريبية، وهذا ما يشير إليه الشرفاء في مقاله، حيث يرى أن تأهيل الشباب وتحويلهم إلى قوة منتجة يسهم في بناء مجتمع قوي ومستقر.
التعليم كوسيلة لتعزيز العلاقات الدولية
إلى جانب حماية الدولة من الاحتلال ودعم الاقتصاد، يرى الدكتور سامح أن التعليم يلعب دورًا كبيرًا في تعزيز العلاقات الدولية للدولة، عندما تستثمر الدول في تعليم أبنائها وتوفر لهم الفرص للتعلم في الخارج أو التفاعل مع الطلاب من دول أخرى، فإن ذلك يساهم في بناء جسور من التفاهم والتعاون بين الشعوب، هذا النوع من التفاعل يساعد في تقليل التوترات بين الدول ويعزز من فرص التعاون الاقتصادي والسياسي.
يضيف عباس أن الدول التي تستثمر في تعليم شبابها على المستوى الدولي تكون قادرة على بناء علاقات قوية مع دول أخرى، مما يساهم في تعزيز مكانتها على الساحة الدولية، فالتعليم هنا لا يقتصر على العلوم الأكاديمية فقط، بل يشمل أيضًا تعلم اللغات والثقافات الأخرى، مما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون الدولي الذي يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني ويساهم في تعزيز مكانة الدولة.
في ختام رده على مقال المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، يؤكد الدكتور سامح عباس أن التعليم هو الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها الدولة في حماية نفسها من التهديدات الخارجية، سواء كانت تلك التهديدات عسكرية أو ثقافية أو اقتصادية. من خلال الاستثمار في التعليم، يمكن للدول أن تخلق جيلاً من الشباب الواعي والمثقف الذي يكون قادرًا على الدفاع عن الوطن وبناء اقتصاده. التعليم ليس فقط أداة لنقل المعرفة، بل هو استراتيجية شاملة تهدف إلى تحقيق الاستقرار والتنمية وحماية الدولة من أي تهديدات محتملة.