فى رده على مقال مفكر العرب علي محمد الشرفاء “جوهر دعوة الله للناس”، قدم الباحث المصري محمد أبو زيد رؤية مغايرة حول مفهوم الإيمان والتوحيد في الإسلام، مركزًا على الآية القرآنية التي يعد فيها الله المؤمنين بالاستخلاف في الأرض شرط أن يخلصوا له العبادة ولا يشركوا به شيئًا. يرى أبو زيد أن التزام المسلمين بإيمان صادق والعمل الصالح، وحدهما لا يكفيان لتحقيق الوعد الإلهي بالاستخلاف، بل يجب أن يكون التوحيد كاملًا وخالصًا من الشرك، مشيرًا إلى قوله تعالى: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ“.
ويشرح أبو زيد أن الآية تؤكد على أن تحقيق الوعد مشروط بالإخلاص في العبادة وعدم الشرك، حيث يقول: “يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا”. ويعتبر أبو زيد أن هذا الشرط ليس مجرد تذكير، بل هو قاعدة أساسية يُبنى عليها وعد الاستخلاف والتمكين، مبينًا أن الإيمان بالله والعمل الصالح إذا اقترنا بأي شكل من أشكال الشرك فلن يتحقق الوعد. ويشير إلى الآية: “وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ”، معتبرًا أن هذه الظاهرة كانت موجودة حتى في زمن الرسول، حيث كانت هناك مظاهر للإيمان المخلوط بالشرك.
في سياق ذلك، ينتقد أبو زيد بعض ممارسات المسلمين المعاصرين التي يعتبرها متأثرة بالشرك، كاللجوء إلى الوسائط البشرية لتفسير النصوص الدينية دون الرجوع المباشر إلى القرآن. ويعتقد أن المسلمين اليوم بحاجة ماسة لفهم التوحيد بمعناه الصحيح، وهو الاعتراف بأن الله وحده هو الذي وضع التشريعات الدينية، وبالتالي يجب ألا تضاف إليه تعاليم بشرية غير واردة في الكتاب، تطبيقًا لقوله تعالى: “وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ“.
يرى أبو زيد أن العلم بمعنى الشرك بالله والتطهر منه يجب أن يكونا أولوية تتقدم على أي عبادة، إذ يعتقد أن الله لا يقبل من الإنسان عباداته أو أعماله الصالحة إذا كانت تترافق مع مظاهر الشرك، مهما كانت تلك العبادات عظيمة أو مكثفة. ويوضح أبو زيد أن تطهير القلب من الشرك هو الأساس الذي يبنى عليه كل شيء، وأن المسلم يجب أن يكون واعيًا لماهية الشرك وأشكاله المتعددة ليتمكن من تمييزها والتطهر منها.
وفي هذا الإطار، يعتقد أبو زيد أن مفهوم التوحيد يتجاوز مجرد الإقرار بوحدانية الله، بل يشمل أيضًا التمسك بما جاء في القرآن وحده، دون الاعتماد على مصادر خارجية غير مؤكدة. ويعتبر أن بعض المسلمين يخلطون بين الدين الحقيقي والآراء البشرية المستندة إلى الروايات التي لم يأذن بها الله. ويرى أن هذا الالتباس يضر بالإيمان الصحيح ويبعد المسلمين عن الطريق القويم.
أبو زيد ينتقد بشدة العلماء والمفسرين الذين يعتمدون على الروايات المتوارثة ويهملون الرجوع إلى النصوص القرآنية. ويصف هذا التوجه بأنه شكل من أشكال الشرك، لأنه يرفع تلك الروايات إلى مستوى التشريع الذي يجب أن يكون حصريًا لله. ويضيف أن الاعتماد على الروايات قد يكون تبريرًا للابتعاد عن التوحيد، الذي يجب أن يكون واضحًا وصافيًا من كل الشوائب البشرية.
ومن هذا المنطلق، يرى أبو زيد أن المسلمين بحاجة إلى مراجعة رؤيتهم للدين، لتكون مستندة حصريًا إلى القرآن وتوجيهاته، بدون الاعتماد على تعاليم بشرية قد تضيف إلى الدين ما ليس منه. ويشدد على أهمية التخلص من الروايات التي لا تتفق مع القرآن، مشيرًا إلى أن التوحيد الكامل لا يقبل أي تدخل بشري في تحديد ما هو صحيح وما هو باطل.
أخيرًا، يدعو أبو زيد المسلمين إلى التأمل في معنى التوحيد بمعزل عن الروايات والتفسيرات البشرية التي قد تحمل في طياتها موروثات ثقافية تعكس مفاهيم مغلوطة. ويرى أن العودة إلى القرآن وحده كافٍ لتحديد المعايير الصحيحة للدين، وأن المسلمين إذا ما التزموا بالتوحيد الخالص من الشرك، فسيحققون وعد الله بالاستخلاف والتمكين في الأرض، متخليين عن التفسيرات البشرية التي قد تحرفهم عن الطريق المستقيم.