أبدى الدكتور رشاد عبد اللطيف، أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان، تقديره بالنقاط التي أثارها المفكر العربي علي محمد الشرفاء، حول موضوع إختطاف العقول وتأثير التقاليد الشفوية على الفهم الديني في المجتمعات العربية، مشيراً إلى أهمية فهم كيفية تأثير الروايات المفتراة والأفكار المزورة على الوعي الجمعي.
أضاف أن ما طرحه الشرفاء يمس جوهر كيفية تشكيل الأفكار والمعتقدات داخل مجتمعاتنا، والتي غالباً ما تتأثر بالروايات التقليدية دون تحقيق أو نقد، لافتا إلى أن هذه الروايات قد تكون قوية جداً بما يكفي لتحديد مسار الحياة الدينية والاجتماعية للأفراد.
يرى عبد اللطيف أن القضية هنا ليست فقط في الاعتقاد بتلك الروايات، ولكن في كيفية تأثيرها على قرارات الأفراد وسلوكهم، الأمر الذي قد يؤدي إلى ما يمكن تسميته بـ ‘الانتحار الفكري’ حين يتجاهل الناس الحقائق الموثقة لصالح الأساطير الموروثة”.
وتطرق عبد اللطيف إلى الحاجة إلى التعليم النقدي في مجال الدراسات الدينية، مؤكداً على أهمية تمكين الأفراد من القدرة على تحليل وتقييم المعلومات التي يتلقونها، وعلى المؤسسات التعليمية أن تلعب دوراً أكبر في تعزيز التفكير النقدي بين الطلاب، مما يساعدهم على التمييز بين ما هو معتقد راسخ وما هو حقيقة علمية.
وشدد الدكتور رشاد عبد اللطيف على الحاجة إلى إصلاحات في النظام التعليمي والديني بما يعزز من مهارات التفكير النقدي والتحليلي لدى الطلاب، ومن الضروري أن نركز على تعليم يبرز أهمية السؤال والاستفسار، وليس فقط الحفظ والتكرار، كما نحتاج إلى زرع ثقافة الفحص والتقييم للمعلومات قبل تقبلها كحقائق.
وأوضح أن طريقة التدريس التي تعتمد على النقاش وتبادل الأفكار والمواقف من شأنها أن تساعد الأفراد على تطوير قدراتهم الذاتية في التفكير والتمييز بين مختلف الروايات والأدلة، وبالتالي بناء شخصية مستقلة قادرة على مواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية.
وفيما يتعلق بالضغوط الاجتماعية والهوية الجماعية، أشار عبد اللطيف إلى أن الرغبة في الانتماء يمكن أن تكون عاملاً قوياً في تشكيل الآراء والمعتقدات، فالانتماء يعطي الأمان النفسي ولكنه قد يقود أيضاً إلى تقبل أفكار دون نقد أو تحليل، مؤكدا أن الأمر يتطلب توازناً دقيقاً بين قيمة الانتماء الاجتماعي وأهمية الاستقلالية في التفكير.
كما ناقش أيضاً استاذ علم الاجتماع الدور الذي تلعبه الآليات الدفاعية في النفس البشرية عند مواجهة معلومات تتعارض مع المعتقدات الراسخة، مؤكدًا على أن الدفاعات مثل النفي والتبرير قد تمنع الأفراد من قبول الحقائق الجديدة، فمواجهة المعلومات التي تتعارض مع ما نؤمن به يمكن أن تكون تجربة مزعجة ومرهقة، وقد يلجأ البعض إلى الدفاع عن معتقداتهم بطرق تحول دون التفكير العميق.
وأكد عبد اللطيف على ضرورة العمل المستمر والمتواصل لتحقيق توعية أكبر بأهمية التفكير النقدي والمستقل، ودعم الأفراد في رحلتهم نحو فهم أعمق وأشمل للدين والحياة الاجتماعية، فنحن بحاجة إلى ثقافة تعليمية تشجع على السؤال والبحث عن الحقيقة، وهذا يبدأ بإصلاح كيف نفهم ونعلم الدين والعلوم الإنسانية في مدارسنا وجامعاتنا.
واكد على أن النقاش الذي أثاره الشرفاء يجب أن يكون بمثابة نداء للعمل نحو تعزيز الوعي والتعليم الديني الذي يعتمد على النصوص والحقائق بدلاً من الأساطير، وهذا التحدي ليس فقط مسؤولية الأفراد، ولكنه يقع أيضاً على عاتق المؤسسات الدينية والتعليمية في مجتمعاتنا.