لعل أول ما يستوقف المتأمل في موسوعة ومضات على الطريق للمفكر العربي الأستاذ على الشرفاء الحمادي هو تلك النزعة الإنسانية التي تطفو على سطح مفردات الموسوعة فلا تخطئها العين ، وتغوص في أعمق أعماق موضوعاتها وقضاياها وأهدافها وغاياتها ومعانيها فتبهر العقل ، وتستحوذ على مَلَكات ومشاعر وإحساسات القارئ فتطرب لها النَّفْس ؛ نَفْس القارئ ونفْس الدارس على السواء.
فمركزية الإنسان وإنسانيته تستغرق فصول الموسوعة وأبوابها بدءاً من مولد الإنسان ابناً لذات الأب آدم وذات الأم حواء في أخوة إنسانية جامعة متكاملة ، مروراً بأَمْن الإنسان وسلامه وكرامته وحرية دينه وتعايشه والتسامح معه ، وانتهاءً بحتمية الحفاظ على حياته وعِرضه وماله ورفاهيته واستقراره الاجتماعي بمنأى عن الطلاق وتهديداته ، والحرص على تكوين المعرفية الدينية والعلمية والفكرية الصحيحة التي تغذي عقل الإنسان بما يجعله قادرا على التفكير السديد والمنطق القويم الذي يميِّز به الحق من الباطل والخطأ من الصواب .
وذلك باتباع المنهج القرآني الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وبما يجعله قادرا على عدم الخنوع أو الخضوع والانصياع والإذعان أو الاستسلام والتسليم والانقياد لعقول الآخرين وآرائهم ذات الحُجج المموهة والمرويات المكذوبة التي ولَّدَتْ فكرا مغلوطاً وإرهاباً مَقِيتا أضرَّ بالبلاد والعباد.
وإذا كانت هذه المقالة تعجز عن الإحاطه الدقيقة بكل معطيات المركزية الإنسانية الشاملة في موسوعة (ومضات على الطريق) للأستاذ علي الشرفاء الحمادي .
فإن ذلك يستدعي سؤالا حيويا من خلال الإجابة عنه نحاول تقديم تعليل أو تفسير لهذه النزعة الإنسانية ومصدرها .
وليست صياغة مثل ذلك السؤال أقل صعوبة من الجواب عليه ؛ نظراً لاشتباك مسألة السببية والتعليل بمسألة المنبع والمصدرية لهذه النزعة .
فالجواب عن السؤال : ( لماذا النزعة الإنسانية في موسوعة ومضات طريق الحمادي المعرفية ) ؟ سيقودنا حتما إلى مصادر ومنابع فكر الأستاذ علي الشرفاء الحمادي ومنهجيته البحثية .
فهل تعود تلك النزعة إلى الطبيعة الشخصانية لمفكرنا العربي بما انطبع فيها من سماحة ولين ومحبة ولطف إنساني يفتح الباب على مصراعيه لتعاطف وتضامن وخيرية إنسانية فياضة تستشعر الام البشر وضرورة تضميد جراحاتهم ومداواة أمراضهم الفكرية والاجتماعية والحرص على منجاتهم الدنيوية والأخروية ؟
أم أنها تعود إلى النبع القرآني الذي ارتوي منه مفكرنا وتضلَّع ، فمن هذا النبع قد بدأ وانطلق ومعه يدور ويمضي وبه ينتهي ويختتم فكرا وعملا وتوجيها ؟
أم أن تلك النزعة – وهذا ما أرجحه – تعود الى الأمرين معا ؟
لأن كتاب الله مَنْ قال به صدق ، ومَنْ عمل به أفلح وأُجِر ، ومَنْ حكم به عدل ، ومَنْ تخلَّق به كان ذا خُلُق عظيم ؛ لذلك وصفتْ السيدة عائشة أخلاق النبي بأن خلقه كان القرآن .
ولما كان القرآن كتاب الإنسانية بما حواه التنزيل المجيد من تكريم وعناية وهداية وحرص على الإنسان ، فإن ذلك قد وجد الأرض الطيبة في ذاتية مفكرنا وشخصانيته ، فتم الإثمار والإيناع القلبي والشعوري والروحي لتلك الشجرة الإنسانية وتجذرها في ذات مفكرنا العربي.
ثم جاءت الدفعة الأكبر من خلال منهجية التفكر والتدبر في كتاب الله العزيز التي قادت مفكرنا الى أن البناء المعرفي والاعتقادي والأخلاقي الصحيح يكون بالاعتماد على هذا الكتاب الكريم والانطلاق منه فكرا وعملا ؛ لكونه محصَّناً معصوماً من الزيف والخطأ ، وكونه يقينيّ الإرشاد إلى الصراط المستقيم ويهدي للتي هي أقوم منهجا وفكرا وعملا ، وكونه محيطا شاملا كلَّ ما يحتاجه الإنسان في إسعاده كما قال الله تعالى عن قرآنه : ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) .الأنعام /٣٨
ولذلك نذر الحمادي نفسه لإنسانية الإنسان مبيناً وشارحا ومستدلا وموجها إلى تفاصيلها وتفصيلاتها وقضاياها التي نطق بها الذكر الحكيم كي لا يتجاهلها المؤمنون بالترك والهجر كما هجروها من قبل : ( وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) .الفرقان / ٣٠، كما أنه قد نذر نفسه للتحذير في كتاباته من العدول عن ذلك الطريق والشرود عنه واتباع الطرق والمسالك والسبل الأخرى التي تقود إلى الهلاك كما قد حذرهم الله تعالى : ( وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام/١٥٣