في رده على مقال “الأسباب الخفية وراء الانقسامات الإسلامية” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، قدم الباحث والمحامي المصري عبد العزيز عاشور تحليلاً يبرز التناقضات والتحديات في النقاط التي أثيرت.
بدأ عاشور بالإشارة إلى أن الاتهامات الموجهة لأطراف خارجية، مثل اليهود في هذا السياق، تحتاج إلى دليل ملموس وتحليل دقيق، مؤكدا على أهمية تبني نهج موضوعي يرتكز على الأدلة التاريخية والتحليلات العلمية بعيدًا عن نظريات المؤامرة التي قد تزيد من الانقسام بدلاً من معالجته.
وتابع ” أعبر عن توافقي الكبير مع الأفكار التي طرحها المفكر علي الشرفاء بخصوص الأسباب الخفية وراء الانقسامات الإسلامية، بالفعل الروايات المختلفة والمختلقة التي زُعم أنها صادرة عن الصحابة، لعبت دوراً محورياً في خلق بلبلة فكرية وصراعات داخل الأمة الإسلامية، وهذه الظاهرة تسببت في تفتيت وحدة المسلمين وتحويل الخلافات الفكرية إلى صراعات مادية تراوحت بين الخلاف والاقتتال”.
ووافق عاشور على النقطة التي أشار إليها “الشرفاء” بخصوص الأيادي الخارجية التي استغلت هذا التشتت لصالحها، تاريخياً، لم يكن من الغريب أن تلعب قوى خارجية دوراً في زيادة الفرقة بين المسلمين لتحقيق مصالح ذاتية، سواء كان ذلك من خلال التحريض المباشر أو من خلال الدعم اللوجستي لفئات معينة على حساب أخرى، الأهم من ذلك، أرى أن الحاجة ملحة اليوم للعودة إلى القرآن الكريم كمصدر أساسي وموثق للتعليمات الدينية، وليس الاعتماد على الروايات المتضاربة التي يمكن أن تكون موضوعة أو مغلوطة.
وأكد عاشور أن القرآن وحده كفيل بأن يوحد صفوف المسلمين من جديد تحت لواء التعاليم الأصيلة التي تحث على الرحمة، العدل، والسلام.
إضافة الى ذلك، يشير عبد العزيز عاشور إلى أهمية التمييز بين النقد البنّاء الذي يتميز به المفكر علي الشرفاء، والخطاب التحريضي، محذرا من الإفراط في تبني خطاب يعتمد على التعميمات الواسعة التي قد تؤدي إلى تعزيز النزاعات بدلاً من تقريب وجهات النظر، يستند إلى فكرة أن العلاقات بين المجتمعات الدينية يجب أن تكون قائمة على التفاهم المتبادل واحترام الاختلاف، مستشهدًا بالآيات القرآنية التي تحث على الحوار الهادف والمحترم مع الآخر.
يتطرق عبد العزيز عاشور أيضًا إلى الدور الذي يلعبه التعليم في تشكيل وجهات النظر والأفكار، ينادي بإصلاحات تعليمية جذرية تضمن تقديم مناهج تعزز الفهم العميق للتاريخ والسياقات الدينية دون تحيز أو تسييس.
ويؤكد على أهمية التعليم كأداة لبناء جسور التفاهم بين المسلمين من مختلف المذاهب والثقافات، مما يساعد على تخطي الانقسامات والعمل معًا نحو أهداف مشتركة.
في هذا السياق، يشير إلى أهمية الحوار بين الأديان وداخل الديانة الإسلامية نفسها، ويشجع عاشور المجتمعات الإسلامية على اعتماد منهجية تقبل النقاش الحر والمفتوح الذي يسمح بالتعبير عن الآراء المختلفة دون خوف من التهميش أو الاضطهاد.
ويرى عاشور أن من خلال الحوار يمكن تسليط الضوء على المشاكل الحقيقية والعمل معًا لإيجاد حلول عملية تحترم التنوع داخل الأمة الإسلامية.
ويحث عاشور على ضرورة التفكير النقدي والمستقل في تقييم الأحداث التاريخية والعصرية، داعيا إلى استخدام العقل والبراهين في تفسير الأحداث والمواقف، بعيدًا عن العاطفة الزائدة أو التحيز الذي قد يشوه الفهم الصحيح. ويؤكد على أن الإسلام دين يحث على العلم والتعقل، وأن الفترة الحالية تتطلب استرجاع هذه الروح لمواجهة التحديات الراهنة والعمل على تعزيز الوحدة والتقدم في العالم الإسلامي.
أخيرًا، يدعو عبد العزيز عاشور إلى تجديد الفكر الديني والتعليمي في العالم الإسلامي، بما يتماشى مع المعايير العلمية والأخلاقية الحديثة، ويرى أن الحل لا يكمن فقط في تحديد الأعداء الخارجيين بل في تعزيز الوعي الذاتي والقدرة على التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية بفعالية أكبر.
ويختم بالتأكيد على أن المسار نحو تحقيق الوحدة والسلام يتطلب جهودًا جماعية وتفكيرًا نقديًا يركز على بناء مستقبل مستقر ومزدهر للأمة الإسلامية.