نستعرض اليوم كتاب “الاغتيال الاقتصادي للأمم -السياسات الاقتصادية للتحكم في الأضعف” لجون بيركنز، والذي يتفق فيه مع المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في أن قراصنة الاقتصاد هم خبراء محترفون -يقصد الأمريكان- مهمتهم أن يحصلوا على ملايين الدولارات من دول كثيرة في جميع أنحاء العالم، يحولون المال من المنظمات الدولية التي تقدم القروض والمساعدات إلى خزائن الشركات الكبرى وجيوب مجموعة من العائلات الثرية التي تسيطر على الموارد الطبيعية للكرة الأرضية، وسائلهم لتحقيق ذلك تشمل تزوير التقارير المالية، الانتخابات والرشوة والابتزاز والجنس والقتل. يلعبون لعبة قديمة قدم الإمبراطوريات لكنها تأخذ أبعاداً جديدة ومخيفة في هذا الزمن: زمن العولمة وهو ما يتفق مع الشرفاء الذي قال “ تلك هي ديمقراطية أمريكا تشن حربا عبثية مجنونة أكلت الأخضر واليابس لمصلحة تصنيع السلاح الأمريكي خوفا من أن يتم إقفالها دون احترام لحقوق الإنسان.. إذا أين حقوق الإنسان عندما تتولى ( سي آي إيه ) إسقاط أنظمة الحكم في الكثير من دول العالم، وتعريضها لحروب أهلية وفوضى كما حدث في ليبيا وتونس، ومحاولتهم الخائبة في مصر بعد عام 2011 ، والتي فشلت فشلاّ ذريعاً وتسائل الشرفاء ” فبأي حق قامت أمريكا بغزو العراق، واستباحت أرضه، وإعدام قائده لترسل رسالة للقادة العرب من لم يسير فى ركابنا سيكون هذا مصيره. فأين حقوق الإنسان وما قام به الجيش الأمريكي فى العراق من قتل الآلاف وعمليات التعذيب التي قاموا بها انتقاما من الشعب العراقي وسرقة آثاره وتدمير مدنه؟.
ويري جون بيركنز انه كان من المفترض أن بعد ما رأت العراق ما حدث من تحول وتغيير تام في شكل وحضارة المملكة العربية السعودية ستسعي لتصبح مثلها وأفضل؛ لذا فحين ذهب قراصنة الاقتصاد ومن بينهم بالطبع جون بيركنز إلى العراق كانوا يأملون في عقد صفقة مربحة.
فبحسب الكاتب العراق تشكل أهم مصدر للبترول في المنطقة حتى أنها تملك أكثر مما تملكه المملكة من احتياطي، بالإضافة إلى موقعها الجيوسياسي الذي يجعل من يسيطر عليها وكأنه يسيطر على الشرق الأوسط بأكمله، لكن وللأسف لم يمرّ ذلك الفخ على صدام حسين.
على الرغم من كون صدام حسين بحسب وصف الكاتب ديكتاتورًا وطاغية، له العديد من الممارسات الوحشية لكن الولايات المتحدة يمكنها غض الطرف عن كل تلك الأشياء، كما كانت تغض الطرف عنها في حالة المملكة السعودية طالما هناك علاقات ومصالح مشتركة، لكن ومع عدم خضوع صدام للصفقة التي عرضتها الولايات المتحدة أصبح كل ما يفعله غير مقبول ولا يُغتفر.
ويشير الكاتب الي ان كل من أحداث 11 سبتمبر وحرب العراق على الكويت أصبحت ذريعة للهجوم على العراق، وبعدما كانت فنزويلا تمثل مصدرًا احتياطيًا للبترول أصبحت القضايا المعلقة في كل من أفغانستان والعراق على رأس القائمة وتراجعت فنزويلا إلى نهايتها؛ هنا بطريقة ما يُممكنا القول أن العراق قد أنقذت فنزويلا!
ويري الكاتب ان فنزويلا تعتبر من أهم الدول المصدرة للبترول عالميًا؛ ففي عام 2002 كانت فنزويلا رابع أكبر دولة مصدرة للبترول، والمرتبة الثالثة بين الدول التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في صادراتها من البترول، وتمكنت فنزويلا بفضل عائدات البترول تلك من التحول من دولة فقيرة إلى أكثر دول أمريكا اللاتينية ثراءً.
كان رئيس فنزويلا عام 1988 هو هوجو شافيز الذي حاول أن ينتهج نهج سابقيه كعمر تورخوس وخايمي رولدوس، والتحرر من هيمنة وسيطرة الولايات المتحدة على موارد بلاده وبين محاولات صندوق النقد الدولي لإخضاعها وبين ثورة شعبه على تلك القررات. جاءت أحداث 11 سبتمبر؛ لتعيد ترتيب أولويات الولايات المتحدة وتوجه نظرها نحو العراق.
ويؤكد الكاتب أنه من الصعب أن تتراجع الولايات المتحدة عن النظر للقارتين الأمريكتين وللعالم أجمع على أن له استقلالية ما؛ فما تراه هو أن كافة الموارد ليست فقط البترول، بل جميعها بما فيها الأراضي والحدود ملكًا لها، ولخدمتها، وخدمة مصالحها وتطورها.
ويضيف الكاتب ان أمريكا أصبحت لا تمتلك جيشًا واحدًا، بل العديد من الجيوش في صور مختلفة وكل منهم يصلح لمهمة مختلفة تناسب كل مرحلة، ومؤسسات متعددة تتدعي أنها عالمية تخدم مصالح الدول جميعًا سواءً بسواء دون تفرقة، لكنها ليست إلا امتداد لتلك الدولة التي تحاول فرد أذرعها على العالم أجمع.
كل ذلك بالإضافة إلى النفوذ، القوة، وعدم الاكتراث، لا بحقوق الإنسان، ولا باعتراضات الدول الأخرى التي بالطبع لا يمكنها أن تعترض طالما كانت تخضع تحت طائلة الديون والفوائد من ناحية، أو المصالح المشتركة والعلاقات المتبادلة من ناحية أخرى. يبدو الأمر وكأنه كابوس محكم ودائرة مغلقة لا سبيل للخروج منها أو حتى مقاومتها.