نستعرض لكم اليوم باب أحوال النفس ومحاسبتها من كتاب تزكية النفس للكاتب والباحث الدكتور احمد فريد أستاذ العلوم الإسلامية حيث يقول في باب أحوال النفس ومحاسبتها انه اتفق السالكون إلى الله على اختلاف طرقهم وتباين سولكهم على أن النفس قاطعة بين القب وبين الصول إلى الربّ، وأنه لايدخل عليه سبحانه ولا يوصل إليه إلا بعد إماتتها، وتركها بمخالفتها، والظفر بها فإن الناس على قسمين: قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته، وصار طوعاً لها تحت أوامرها، وقسمٌ ظفروا بنفوسهم فقهروها فصارت طوعاً لهم، منقادة لأوامرهم وانتهى سفر الطالبين إلى الظفر أنفسهم، فمن ظفر بنفسه أفلح وأنجح، ومن ظفرت به نفسه خسر وهلك، قال الله تعالى: (َأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (النازعات: الآية: ٣٧ – ٤١)
د. احمد فريد
النفس تدع إلى الطغيان، وإيثار الحياة الدنيا والربّ يدعو عبده إلى خوفه ونهى النفس عن الهوى، والقلبُ بين الداعيين، يميل إلى هذا الداعى مرة , وإلى هذا مرة، وهذا موضع المحنة والإبتلاء
والنفس تدع إلى الطغيان، وإيثار الحياة الدنيا والربّ يدعو عبده إلى خوفه ونهى النفس عن الهوى، والقلبُ بين الداعيين، يميل إلى هذا الداعى مرة , وإلى هذا مرة، وهذا موضع المحنة والإبتلاء، وقد وصف الله سبحانه النفس فى القرآن بثلاث صفات: المطمئنة، واللوامة، والأمارة بالسوء
وهو ما يتفق مع ما عرفه الكاتب والمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في كتاباته عن النفس المطمئنة والنفس الأمّارة بالسوء، إذ وضح في هذا التعريف الركائز الأساسية والصفات العامة لكل نفس، موضحا أن هناك تأثيرات مباشرة تعود على المجتمع، فالنفس المطمئنة تجمع كل خصال الخير، فهي طاهرة مؤمنة تطيع الله من منطلق الإيمان الكامل بكل شيء، في حين تجد النفس الأمّارة بالسوء شقية بائسة مكتئبة حاقدة كارهة للحياة، وضرب الكاتب لنا مثلا في ذلك بالتحول النفسي للإنسان في هذا الإطار، فإلى تفاصيل الطرح كاملاً.
الشرفاء : النفس المطمئنة تجمع كل خصال الخير، فهي طاهرة مؤمنة تطيع الله من منطلق الإيمان الكامل بكل شيء، في حين تجد النفس الأمّارة بالسوء شقية بائسة مكتئبة حاقدة كارهة للحياة
حيث يقول الشرفاء ان الله خلق النفس المطمئنة الطاهرة المستيقنة بإيمانه والتسليم الكامل لقدرته والرضا بكل أقداره وطاعته المحبة للسلام والرحمة والخير ويكون تفسيرها للنص يتوافق مع مقاصد الآيات لمنفعة الإنسان ومصلحته؛ تحقق له الأمن والحياة الطيبة والتمتع في نعمته وسلامته والحفاظ على كافة حقوقه ويتحقق لها وعد الله في قوله سبحانه: «مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ» (النحل: 97).
ويشير المفكر العربي علي الشرفاء الي ان دعوة النفس المطمئنة تكون للناس في تفسير النص القرآني كقوله سبحانه: «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ» (البقرة: 148) ودعوته سبحانه للناس جميعًا: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» (المائدة: 2).
وهو ما يتفق مع ما قاله فريد في كتابه تزكية النفس حيث يقول “إذا سكنت النفس إلى الله عزّ وجلّ واطمأنت بذكره، وأنابت إليه، واشتاقت إلى لقائه، وأنست بقربه، فهى مطمئنة، وهى التى يقال لها عند الوفاة. (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة ((الفجر: ٢٧ – ٢٨)
ويشير الكاتب احمد فريد الي ان المؤمن اطمأنت نفسه إلى ما وعد الله، وصاحبها يطمئن فى باب معرفة أسمائه وصفاته إلى خبره الذى أخبر عن نفسه وأخبر به عند رسوله ص ثم يطمئن إلى خبره عما بعد الموت من أمور البرزخ وما بعده من أحوال القيامة حتى كأنه يشاهد ذلك كله عياناً، ثم يطمئن إلى قدر الله عزّ وجلّ فيسلم له ويرضى فلا يسخط، ولا يشكو، ولا يضطرب إيمانه، فلا يأسى على ما فاته، ولا يفرح بما آتاه، لأن المصيبة فيه مقدرة قبل أن تصل إليه، وقبل أن يخلق، قال تعالى: }مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إلاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ{ (التغابن: من الآية ١١)
وأما طمأنينة الإحسان فهى الطمأنينة إلى أمره امتثالاً وإخلاصاً ونصحاً، فلا يقدم على أمره إرادة ولا هوى، ولا تقليداً، ولا يساكن شبهة تعارض خبره، ولا شهوة تعارض أمره، بل إذا مرّت به أنزلها منزلة الوساوس التى لئن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يجدها فإذا اطمأن من الشكّ إلى اليقين، ومن الجهل إلى العلم، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الخيانة إلى التوبة ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن العجز إلى الكيس، ومن صولة العجب إلى ذلة الإخبات، ومن التيه إلى التواضع، فعند ذلك تكون نفسه مطمئنة وأصل ذلك كله هى اليقظة، التى كشفت عن قلبه سِنة الغفلة وأضاءت له قصور الجنة، فرأى فى ضوء هذه اليقظة ما خلق له، وما سيلقاه بين يديه من حين الموت إلى دخول دار القرار، ورأى سرعة انقضاء الدنيا، وقلة وفائها لبنيها وقتلها لعشاقها، وفعلها بهم أنواع المثلات، فنهض فى ذلك الضوء على ساق عزمه قائلاً: {يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} (الزمر: من الآية ٥٦).
فاستقبل بقية عمره مستدركاً ما فات، محيياً ما مات، مستقبلاً ما تقدم له من العثرات، منتهزاً فرصة الإمكان التى إن فاتت فاته جميع الخيرات، ثم يلحظ فى نور تلك اليقظة وفور نعمة ربه عليه، ويرى أنه آيسٌ من حصرها وإحصائها، عاجزٌ عن آداء حقها، ويرى فى تلك اليقظة عيوب نفسه، وآفات عمله، وما تقدم له من الجنايات والإساءات والتقاعد عن كثير من الحقوق والواجبات، فتنكسر نفسه وتخشع جوارجه، ويسير إلى الله ناكس الرأس بين مشاهدة نعمه، ومطالعة جناياته، وعيوب نفسه، ويرى أيضاً فى ضوء تلك اليقظة عزة وقته، وخطره، وأنه رأس مال سعادته فيبخل به فيما لا يقربه إلى ربه، فإن فى إضاعته الخسران والحسرة، وفى حفظه الربح والسعادة. فهذه آثار اليقظة وموجباتها، وهى أول منازل النفس المطمئنة التى ينشأ منها سفرها إلى الله والدار الآخرة.