نستعرض معكم كتاب ملخص كتاب تجربة الإسلام السياسي في تحليل تاريخ وأفكار الحركات الإسلامية المعاصرة لأوليفيه روا وهو عالم سياسي فرنسي، أستاذ في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، إيطاليا. نشر مقالات وكتب عن العلمنة والإسلام من بينها «الإسلام العالمي»، وفشل الإسلام السياسي كما يشتهر «بنظرته المختلفة للإسلام الراديكالي» عن بعض الخبراء الآخرين وهذا الكتاب الذي نستعرضه اليوم ليس عن الإسلام، ولا عن موقع السياسة في الثقافة الإسلامية؛ إنما هو عن نظرة الحركات الإسلامية المعاصرة، خاصة الجماعات النشطة منها، التي ترى في الإسلام أيديولوجية سياسية بقدر ما هو دِين، والذين يختلفون عن تقاليد وتراث ما عُرِف عن الإسلام، هذه الحركات التي تُشَكِّل – في العقود الأخيرة – تحدّيًا للغرب من جهة، وللأنظمة التي تعيش في ظلها من جهة أخرى.
أوليفيه روا الكاتب الفرنسي:
ليس هناك إسلام سياسي معاصر كما يعتقد بعض المستشرقين والسياسيين في الغرب
ويضيف الكاتب الفرنسي انه ليس هناك إسلام سياسي معاصر كما يعتقد بعض المستشرقين والسياسيين في الغرب، ويؤكد انه صحيح أن هناك أربعة عشر قرنًا من الاستمرار العقائدي والثقافي لدى المسلمين؛ إلا أن الممارسات السياسية التي أصبحت تتخذ من الإسلام مظلة فكرية، هي ممارسات عديدة ومعقّدة، وتختلف اجتهاداتها وتصوراتها باختلاف المجتمعات الإسلامية، وظروفها الاقتصادية والسياسية والثقافية، ويضيف ان هناك بعض الدعاة اجتهدوا لإظهار الإسلام وكأنه نظام سياسي، إلا أن هذه الاجتهادات ترفض أو تتجاوز المراحل التاريخية التي شهدتها الدولة الإسلامية، وكذلك خصوصية البيئات المختلفة التي نشأت فيها.
ويشير الكاتب انه بعيدًا عن الثورة الإسلامية في (إيران )، نجد أن الحركات الإسلامية السياسية المعاصرة، لم تؤثر في المسرح السياسي للشرق الأوسط؛ فحتى الوقت الحالي، ما زالت الدولة التي كانت موجودة في السبعينيات والثمانينيات قائمة، وتفسير ذلك هو فشل هذه الحركات السياسية، في تقديم نموذج لمجتمع جديد، وحتى الثورة الإيرانية التي طرحت مشروع هذا المجتمع الجديد، كما أَعلنت عن ذلك أدبياتها المتفائلة، والمثالية، في بداية قيامها؛ ما لبثت أن امتزجت في نسيج الدولة الإيرانية، ذات الثقافة والمنطلقات القومية، الراسخة والقديمة.
وكثير من المحللين والكُتّاب يعتقدون نهاية عصر الحركة الإسلامية السياسية؛ فإدخال الإسلام في الساحة السياسية هو محض مفارقة تاريخية؛ فكيف يمكن العودة إلى الحكم الديني؟ والفرق بين الدولة الإسلامية والحكم الديني، هو أن الأخير يستلزم وجود رجال دين على رأس السلطة السياسية، الأمر الذي لم يحدث في تاريخ المسلمين، باستثناء تجربة الثورة الإسلامية في (إيران )
المفكر العربي علي الشرفاء:
لا يوجد على الإطلاق مسمى الإسلام السياسي، وأن تناول المصطلحات دون تيقن من نتائجها وما تخلقه من التباس فى المفاهيم لهو أمر خطير
وهو ما يتفق مع الكاتب والمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي حين قال “لا يوجد على الإطلاق مسمى الإسلام السياسي، وأن تناول المص
طلحات دون تيقن من نتائجها وما تخلقه من التباس فى المفاهيم لهو أمر خطير، أدى فى الماضى إلى صراع فكري ومادى حتى اليوم، وسقط من جراء ذلك عشرات الآلاف من الأبرياء، ولذلك قبل إطلاق أي مصطلح لابد من التعريف بما يحمله من قيم وسلوك وخير للإنسانية.
وأوضح الشرفا أن الإسلام رسالة الله للناس أنزلها على رسوله الكريم، ليبلغها للناس كافة فى قرآن كريم، وآيات بينات تضمنت التشريعات الإلهية والعظات التوجيهية والأخلاقيات السامية التى تضع أسس الرحمة والعدل والإحسان والتعاون فى العلاقات بين الناس جميعا، دون تفرقة بين لون أونسب أو وطن، وكان لابد من تصحيح اسم الإسلام السياسي.
ونوه المفكر الإماراتي إلى أن الإسلام دين سماوي مقدس لا يجوز العبث باسمه فى المجالات الدنيوية، على سبيل المثال الاقتصاد الإسلامي، والتاريخ الإسلامي، والإسلام السياسي، والمؤتمر الإسلامي، معتبرا أن كل تلك المسميات والمصطلحات لايجوز استخدامها على الإطلاق إلا فيما يخص الرسالة الإسلامية وما ترمى إليه مقاصد الآيات الكريمة لما ينفع الإنسان فى حياته وبعد مماته، وأن تلك الممارسات تعتبر تجنيا خطيرا على دين الإسلام، والإسلام رسالة إلهية، والمسلمون بعض عباده، فلايجوز الخلط بين الرسالة وبين اتباع الرسالة، فالإسلام رسالة مقدسة منزهة عن الخطأ والهوى والأنانية والمصالح الشخصية، لأنها رسالة من الخالق سبحانه لعباده، أما عباده فهم بشر، يخطئون ويتبعون الهوى، وهم أنانيون يستبيحون كل المحرمات لتحقيق مصالحهم الخاصة.
وأكد الشرفا أنه يريد تصحيحا لما يطلق عليه الإسلام السياسي لعدم وجود ذلك المسمى فى الحقيقة ليحل محله توظيف الأديان لتخدم المصالح السياسية، وتحتل الأوطان باسم الدين، كما حدث فى احتلال فلسطين باسم الدين اليهودي، والقتال من أجله ، وكما حدث فى الماضي الحروب الصليبية التى أسقطت دولا، واستباحت أوطانا وقتلت عشرات الآلاف باسم الرب، ولا نستثني المسلمين فى كل العصور، فحتى اليوم يستخدمون الدين، فباسم الإسلام يفتلون الأبرياء مسلمين وغير مسلمين، و يستبيحون كل المحرمات للوصول للسلطة، فالأديان محرم توظيفها فى خدمة الأهداف السياسية تحت مسميات دينية، لأن ذلك افتراء على الله وعلى رسله حين يصفهم الله سبحانه بقوله (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) سورة يونس (٦٩) .
وهو الامر الذي نوه له الكاتب أوليفيه روا في ان كثيرا من الغربيون يعتقدون أن هناك شكلًا واحدًا من أشكال التقدّم، وهو (الحداثة السياسية )، التي تتمثل في ديمقراطية برلمانية، تتزامن مع نمو اقتصادي، وإهمال للقواعد الأخلاقية الشخصية.
ويستعرض الكتاب أيضا في هذا المقام الذاكرة الانتقائية للغربيين حيث يقول ؛ كم ثورة غربية كانت مثالية وصافية وحتى دينية! من (كرومل ) الثائر الإنجليزي إلى (روبسير ) خطيب الثورة الفرنسية، وكم من التحديث الصناعي حَدَث تحت حُكْم الديكتاتورية! من (نابليون الثالث ) حتى (موسوليني )، وصولًا إلى بعض تجارب دول جنوب شرق (آسيا ) المعاصرة، وكم ديكتاتورية كانت علمانية، بل ومعادية للدين، من (المكسيك ) حتى (الاتحاد السوفييتي ) السابق؛ لذلك فليس غريبًا أن تحاول تيارات الإسلام السياسي، أن تقدِّم خطابًا جديدًا، يهدف إلى بناء دولة مختلفة لم تُعْرَف في السابق.
ويري الكاتب ان معضلة هذا الخطاب ليست في محاولة التجديد برفض القائم، ولكن في عدم وجود تصور محدَّد وواضح وعقلاني، ومقبول أيضًا، للمؤسسات السياسية التي تريد إنشاءها لإدارة هذه الدولة؛ فكل التفسيرات والاجتهادات التي قدمَتها، لم تخرج – في الواقع – عن إطار الحزب الواحد، والسلطة المركزية التي عرفتها الأنظمة الشمولية، -نظام يفرض سلطته على جميع جوانب المجتمع، – حتى وإن ارتدت هذه المرة عباءة الدين. وحتى لو تبنّت هذه الدولة الشكل الخارجي للديمقراطية كما حدث في (إيران )؛ فإن القوانين الصادرة من البرلمان المنتخَب من قبل الشعب، لا بد أن تمر على لجنة من رجال الدين؛ لتأخذ مباركتهم قبل أن تصبح قانونًا، كما أن المرشح لعضوية البرلمان، أو لأي منصب سياسي آخر، لا بد أن يمر اسمه أيضًا على لجنة للموافقة عليه أو رفضه.