نستعرض اليوم كتاب الإسلام والحداثة والاجتماع السياسي حيث يشير الكتاب الى أنه منذ أن استيقظ العالم الإسلامى على عصر ما بعد النهضة الذى يطرق الأبواب ويخطف الأبصار،
كتاب الإسلام والحداثة : هنام حيرة بين المسلمين في شأن التعاطي مع الآخر لم تتوقف، بحيث تراوحت المواقف وردود الأفعال ما بين: الاعتزال والخصام والتمرد والمقاومة، خاصّة ممن حصروا أنفسهم في مسائل اللحى وأغطية الرءوس
فإذا بحيرة المسلمين في شأن التعاطي مع الآخر لم تتوقف، بحيث تراوحت المواقف وردود الأفعال ما بين: الاعتزال والخصام والتمرد والمقاومة، خاصّة ممن حصروا أنفسهم في مسائل اللحى وأغطية الرءوس ، والثياب القصيرة والضيقة، والمستور والمكشوف، والمسواك والسجائر، والطِّيب والحنّاء والتبرّك بالأولياء وما إلى ذلك، وبين الإقبال على الحياة، والنهل من ينابيع حداثتها. ثمة تيار ثالث حاول جاهدًا ان يقول ببساطة شديدة: إنّ القبول المطلق بالحضارة الغربية الحديثة قد أدى بنا إلى الانفصال الحضاري عن تراثنا الإسلامي، كما أن الرفض المطلق للحضارة الغربية، قد تم من منطلقات سلفية تتشبث بالماضي دون أن تطلّ على الحاضر، فضلا عن أن تتطلع إلى المستقبل.
وهو ما يؤكده المفكر العربى على محمد الشرفاء الحمادى فى عدد من كتاباته حيث يقول ” المسلمون يتبعون الرسول عليه السلام بما أنزل إليه فى الكتاب الحكيم من تشريعات وعبادات وأحكام ومنهج للعلاقات الإنسانية فى قرآن كريم خطاب الله لخلقه كلف الله به رسوله ليبلغه للناس مرجعية وحيدة لرسالة الإسلام تتضمن شروطا لمن يريد أن ينتمي لدين الإسلام من ضمنها قوله سبحانه مخاطبا رسوله عليه السلام (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)) البقرة:٢٨٥)
ذلك حكم وشرط وضعه الله للناس لمن يريد أن يدخل الإسلام أن يلتزم المسلم بكل ماجاء فى آيات القرآن من تشريعات وأحكام ومنهاج حياة فى العلاقات والمعاملات يطبقها الإنسان
الشرفاء : مادام الله سبحانه أمرنا ان نؤمن بكتبه ورسله ولا نفرق بين أحد من رسله فبأي سند وحكم يفرق المسلمون بين أتباع الكتب والرسل الذين فرض الله على المسلمين أن يؤمنوا بكتبهم ورسلهم والذين يعيشون معهم فى وطن واحد؟!
ومادام الله سبحانه أمرنا ان نؤمن بكتبه ورسله ولا نفرق بين أحد من رسله فبأي سند وحكم يفرق المسلمون بين أتباع الكتب والرسل الذين فرض الله على المسلمين أن يؤمنوا بكتبهم ورسلهم والذين يعيشون معهم فى وطن واحد؟! أليس ذلك الموقف السلبى من إخوتهم أهل الكتاب واعتبارهم أهل ذمة جحد لحكم الله وتشريعاته وتراجع عن التزامهم بالشرط والحكم الإلهي لكي يصح إسلام الإنسان عليه أن يؤمن بالرسل جميعا وبكتبهم التى أنزلها الله عليهم ليبلغوا الناس آياته وتشريعاته”
ثم ينتقل كتاب الإسلام والحداثة والاجتماع السياسي ليعرض لنا تشريح للمجتمع العربي من خلال التأكيد علي ان المجتمعات العربية تتشكل من تركيبة فسيفسائية من المِلل والنِحل، وتسودها رزمة من النزاعات الداخلية المنعكسة سلبًا على وحدتها وتماسكها، وبالتالي اختلفت الوسائل والأشكال التي اتُّبعت في إدارة تلك النزاعات، ولكنها لم تنتج حلولا عملية وواقعية، بل على العكس تمامًا، عمّقت من حدة النزاعات الداخلية، وأوجدت مشاكل جديدة أدت إلى الانعزالية والانغلاق على الذات.
لذلك كان ظهور العلمانية ملحًّا نتاجًا لحاجة ذاتية للتنوير وللخروج من واقع الأزمة، ورغم تأخر هذا الظهور بفارق قرنين عن الغرب، إلا أنه يعتبر من أكثر الموضوعات المثيرة للجدل في الفكر العربي المعاصر، ولم ينقطع النقاش حولها سابقًا، وليس من المتوقع انقطاعه في المستقبل القريب. ونحن هنا نتحدث عن (العِلمانية) بكسر العين، وليست (العَلمانية) بفتح العين نسبة إلى العالَم.
ويضيف الكتاب فيقول “العَلمانية مفهوم سياسي يقتضي الفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي؛ حيث لا تمارس الدولة أي سلطة دينية، ولا تمارس الكنائس أية سلطة سياسية، في حين أن العِلمانية تقع في معنيين: أولها يُؤَكِّد على حرية التديّن وحيادية الدولة في الاعتقاد، وثانيهما يشير إلى أن نشاطات الإنسان وقراراته – لا سيّما السياسية – ينبغي أن تستند على الأدلة والحقائق، وليس التأثيرات الدينية.
ويوضح ان العِلمانية يتمّ تمييزها في كتابات الفلاسفة بنوعين، العلمانية الجزئية: وهي رؤية جزئية للواقع، ولا تتعامل مع الكلّ، وتدعو إلى فصل الدين عن السياسة وربما الاقتصاد أيضًا، وتلتزم الصمت في المجالات الأخرى، ولا تنكر المطلقات أو وجود الغيبيات، أما العلمانية الشاملة: فهي رؤية شاملة للواقع والحياة، تحاول بكل صرامة تحييد الدين والقيم المطلقة في مجالات الحياة كافّة، وتتفرع منها نظريات مرتكزة على البعد المادي للكون.
ومرت العلمانية الشاملة بثلاث مراحل أساسية، تبدأ من مرحلة التحديث: وفيها سيطر الفكر النفعي على جوانب الحياة بصورة عامة. ومرحلة الحداثة: وهي مرحلة انتقالية قصيرة استمرت فيها سيادة الفكر النفعي مع تعمقه في جوانب الحياة كافة. والمرحلة الأخيرة مرحلة ما بعد الحداثة: وهنا أصبح الاستهلاك هو الهدف النهائي من الوجود، ومحرّكه اللذة الخاصة.
في الفكر العربي تعددت التعاريف المقترحة لمفهوم العلمانية، حيث يعتقد “عزيز العظمة ” أنها عملية موضوعية متعينة في التاريخ، تتخذ أشكالا بحسب الظروف، في المقابل يميز “عبدالوهاب المسيري ” بين العلمانية الجزئية والشاملة؛ بحيث تفصل كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن كل جوانب الحياة العامة في بادئ الأمر، ثم عن كل جوانب الحياة الخاصة في نهايته، إلى أن يتم نزع القداسة تمامًا. ويشير “عبدالهادي أبو طالب ” إلى أنه لا يمكن – علميًّا – طرح تعريف العلمانية باعتماد مقاربة واحدة؛ لاختلاف مفهومها باختلاف المدارس الفكرية.
حتى مطلع القرن التاسع عشر، لم يطرح العالم العربي إشكالية علاقة الدين بالدولة؛ لأن الدين الإسلامي هو الدين السائد والمتأصّل في الوجدان والضمير، وحين تمّ طرح مشروع “النهضة من أجل الإصلاح ” فجّر جدلًا كبيرًا؛ لأنه طرح إشكالية التناقض بين الدين والعقل، وبين الدين والدولة، دون صدم المجتمع بمعادلة فصل الدين عن الدولة.
ومن ثمّ كان للمفكرين العرب المتأثرين بالغرب ونهضتهم، كل الضغط في طرح فصل الدين عن الدولة، على غرار فصل الدين عن الكنيسة في الغرب، وكان بعدها ظهور دعوة الإصلاح التي تحمل اللافتة العلمانية، مما جعل دعوة الإصلاح تنقسم على نفسها بين إصلاحيين تقليديين، وإصلاحيين علمانيين. وكان من عارض النزعة العلمانية هم المفكِّرين الإصلاحيِّين الإسلاميِّين؛ بحيث أشاروا أنه لا يمكن إسقاط التجربة الغربية على الحالة الإسلامية.
حين ظهرت الدولة القُطرية في القرن العشرين، أصبح أساس المواطنة هو انتماء المواطن إلى الدولة والخضوع لقوانينها، في مقابل حمايتها له، على عكس الدولة القديمة التي كانت تقوم على الانتماء الديني، فإن فصل المؤسسة الدينية على المؤسسة السياسية، يهدف في الأساس إلى حماية فكرة المواطنة وترسيخها، أي حماية أحد أبرز الأسس القانونية للدولة الحديثة.
تعمّ النزاعات الطائفية العالم، لكن نموذجها العربي يعدّ الأكثر وضوحًا؛ حيث عكس صعود الطائفية حالة الاشتباك السلبي والمدمّر بين الإسلام والمصالح السياسية المتضاربة، ويؤكد على خطورة جعل الوجدان الديني للجماهير العربية أداة من أدوات الاستقطاب واللعبة السياسية، ما يضرّ بمضامين الدين نفسه، ويجعل منه ذريعة لتسويغ قتل الناس والاعتداء عليهم، كما هو حاصل بوضوح اليوم بين السنة والشيعة في العراق.
وناقش البعض العلمانية المنفتحة، والتي تؤصل لدى مجتمعاتنا العربية والإسلامية أساليب وآليات جديدة من التعامل الوجودي الاجتماعي مع المعرفة والحقيقة والحياة بشكل عام. وهذه العلمانية لا تعمل على إلغاء اليومي الوجودي بقدر ما ترسّخ ذلك اليومي بعيانيّته وتجربته المباشرة، ومن ثم فهي تهتم كثيرًا بتلازم الإنسان مع الحاضر المتغيّر من خلال روحية البحث الحر، ومن ثم التغيير الاجتماعي نحو أفضل البدائل الممكنة لدى مجتمعاتنا.