نستعرض اليوم كتاب ” الطريق من هنا حتى تعود الأمة لمكانتها” للمفكر العربي والباحث في الشريعة الإسلامية الدكتور محمد الغزالي والذي يؤكد فيه ان الأمة الإسلامية ابتعدت عن الطريق المستقيم، وعانت في الفترات الأخيرة من التأخر، وأثّر الاستعمار في البلاد الإسلامية حتى بعد الجلاء. وبعد أن كانت أمتنا الإسلامية والعربية منارة للعلم في كل بقاع الأرض، أصبحنا نعاني من الجهل. يشير الشيخ (محمد الغزالي) في هذا الكتاب إلى بعض السلبيات الموجودة في مجتمعاتنا، والأسباب التي أدت إلى الضعف الذي نحن فيه الآن، وأن الأمة لا بد أن تستفيق من سباتها العميق لتؤدي رسالتها.
الدكتور / محمد الغزالي
قد تخلو الأرض من الاستعمار، ولكن نفوس أهلها ما خلت منه بعد، وارتبطوا ماديًا وأدبيًا بمواريثه؛ فيعتمدون عليه في حياتهم بشكل أساسي
ويقول الدكتور محمد الغزالي في كتابه “الطريق من هنا الي انه “قد تخلو الأرض من الاستعمار، ولكن نفوس أهلها ما خلت منه بعد، وارتبطوا ماديًا وأدبيًا بمواريثه؛ فيعتمدون عليه في حياتهم بشكل أساسي. لقد فَرَض أولا لغته وجعلها لغة المكاتبات في الدواوين، ولغة الدراسة في جميع المراحل التعليمية، ولغة التخاطب المحترم في البيوت والشوارع. وربما أقام هدنة مع اللهجات المحلية إلى حين، ولكنه يعلن كراهته للغة العربية، ويتجاوزها في كل محفل، ويؤخر رجالها عمدًا! ولا سيما إذا كان المسلمون فوق تسعة أعشار السكان، ومن هنا كانت الفرنسية لغة (السنغال)، والإنجليزية لغة (نيجيريا)، أما لغة القرآن فهي مهملة! وقد نتج عن ذلك أن المسلم في هذه الأقطار محجوبٌ عن التراث الإسلامي؛ لأنه مُدَوَّن باللغة العربية، وأنه إذا أراد أن يقرأ شيئًا عن الإسلام فعن طريق الإفك الذي سطّره المستشرقون بإحدى اللغتين العالميتين، الإنجليزية، أو الفرنسية. ومع حركة القضاء على لغة القرآن الكريم، قامت حركة اقتصادية بارعة جعلت الإنتاج صناعيًا أو زراعيًا في أيدي السادة الأجانب، أو في أيدي التابعين لهم؛ فهم ملّاك الحقول وهم ملّاك الصناعات، وهم مديرو المصارف والشركات.
ويؤكد الكاتب ان المستعمرون قد فهموا هذه الحقيقة، فدسّوا أصابعهم في منابع الثورة ومصارفها، وأشعروا أهل البلاد أن الرغيف الذي يأكلون، والثوب الذي يرتدون، والمرافق التي يستخدمون، في يد أولئك المستعمرين المهرة، وأن البعد عنهم هو الضياع. فإذا خرجت جيوش المستعمر عن الأرض لأمرٍ ما، فلا تمرد هناك ولا تحرر؛ فأيدي المواطنين هي السفلى، وسادة الأمس بالقهر العسكري هم سادة اليوم بالتفوق الاقتصادي والحضاري، ولا معنى لاستعمال العصا إذا كانت نظرة العين تكفي للخضوع. وللأسف الثقافة الإسلامية في تراجع! ولم لا إذا كانت الإنجليزية والفرنسية اللغة الأولى للدولة والشعب، وربما كانت الأولى والأخيرة. الناس تعاني من الجهل والفقر، وهي تقبل العون من كل من يقدمه، ولو كان مقرونًا بالكفر والفسوق. وإذا كان المسلمون قد تراجعوا في أنحاء العالم، وسقطت دولتهم الكبرى في كل ميدان؛ لما اقترفته أيديهم من أخطاء اجتماعية وسياسية، فإن الدعاة الجدد لم يكلفوا أنفسهم دراسة خطأ ولا تصحيح مفهوم؛ ولذلك كثر صياحهم وقلت جدواه، واضطرب الفكر الإسلامي فلا يثمر خيرًا في دين أو دنيا.
ويوضح الكتاب ان العقل الإسلامي لو التزم الخط القرآني المشغول بالملاحظة والتجارب، المهتم بالتنقيب والحقائق، لكان له شأن آخر، ولقدَّم نتائج صادقة مثمرة للمنهج العلمي الكوني الباحث في المادة، لا فيما وراءها. إن المرء يفقد قيمته الأدبية والمادية يوم يكون نابغة في فن ما أو في الفنون كلها، ثم هو بالله جاهل وعليه جريء. والعباقرة الذين يضعون أصابعهم على زناد التفجير الذري، وينذرون بإهلاك الألوف المؤلفة لغرض خسيس ليسوا إلا قطعانًا من الذئاب الكاسرة أهانوا العلم ولم يكرمهم العلم.
ويشير الغزالي الي “اننا في العالم نحترم علوم الكون والحياة، ونرى أنفسنا مطالَبين بالبحث والتدبر في ملكوت الله. بعد توكيد هذه الحقيقة، يقول الكاتب “أعود إلى المنهج الصوفي القائم على التأمل الباطني، والاستغراق الذاتي، وتحويل العلاقة بالله إلى ذكر لأسمائه الحسنى. أهذا النهج هو ما أفدناه من كتاب الله وسنة الرسول، صلى الله عليه وسلم؟ بل أجزم بأن العزلة الفكرية عن الكون هي انحراف عن الخط الإسلامي، وفِرار من تكاليف اليقظة الذهنية التي فرضها علينا القرآن، بل قد تكون طريق العجز عن مقاومة الباطل ومؤازرة الحق. وعلى أي حال، فنهج القرآن لا يتقدم عليه نهج، ويستحيل أن يحمي المسلمون دينهم، وأن ينضج إيمانهم بربهم إلا إذا اتفقوا في آيات الله. إن لغتنا العربية تكاد تكون خالية من علوم الطب والصيدلة والأحياء وأغلب فروع الهندسة والكيمياء وعلوم الفضاء، والإلكترونيات، وفنون القتال في البر والبحر. أفبهذا الفراغ نحمي دنيانا، ونحرس إيماننا ونرد أعدائنا؟ والأغرب من هذا كله، هو أننا أول من يهيل التراب على علمائنا وتراثهم. إننا نسينا رسالتنا من حيث أننا مسلمون، ونسينا مكانتنا من حيث أننا بشر متميزون على شتى الأحياء. ما هذا التحجر الفكري، والعجز الإنساني؟
المفكر العربى على الشرفاء
الدول الغربية أعدت عدتها ووظّفت إمكانياتها ودرّبت جيوشها للسيطرة على الدول الضعيفة واحتلالها واستباحة ثرواتها ونهب ثرواتها لصالح شعوبهم،
ويتفق مع هذه الرؤية المفكر العربى على محمد الشرفاء الحمادي في كثير من كتاباته خاصة حينما يقول “نرى الدول الغربية أعدت عدتها ووظّفت إمكانياتها ودرّبت جيوشها للسيطرة على الدول الضعيفة واحتلالها واستباحة ثرواتها ونهب ثرواتها لصالح شعوبهم، وعلى سبيل المثال تم احتلال مصر من بريطانيا وامتصت ما فيها من خيرات وأصبحت تبعيتها لبريطانيا واستعبدت شعبها. كما احتلت بريطانيا دول الخليج ووطدت فيها قواعدها وفرضت على الشعوب المحتلة استعمارًا كبّلت فيها صوت الشعوب وعاثت في أوطانهم ظلمًا وفسادًا ، وحرمتهم من حق الحرية في وطنهم وحرّمت عليهم التعبير عن آلامهم وسيطرت على أقواتهم وثرواتهم. كما احتلت إيطاليا ليبيا بنفس الأهداف ونفس الاستعمار وتحكّمه في مستقبل الوطن الليبي وشعبه. ولقد استعمرت فرنسا الجزائر ونهبت ثرواته واستعبدت شعبه واستخدمت ضد المطالبين بالاستقلال أشنع العقوبات وقتل للمواطنين بكل أنواع الأسلحة، بالإضافة للتعذيب الوحشي للمواطنين الذين يطالبون بالحرية لوطنهم حتى وصل عدد الشهداء في الجزائر إلى مليون شهيد. كما احتلت فرنسا المغرب وتونس وغيرها من الدول الأفريقية، عشنا ذلك الواقع المرير. وتم تقسيم الدول العربية تنفيذًا لاتفاقية «سايكس بيكو» بين بريطانيا وفرنسا دون أن يراعوا الحقوق الإنسانية لتلك الشعوب أو احترامًا للمبادئ والقيم الحضارية. وأنشئوا دولًا حديثة في أوائل العشرينات باتفاقيات مُجحفة مع من نصّبوهم قيادات في الدول الحديثة ليستطيعوا نهب ثرواتهم واستباحة أراضيهم وحقوقهم ليكونوا عبيدًا تابعين لهم.
لذلك يجدر بكل مواطن يحب وطنه وفيًا لأرضه مدركًا أن الفوضى ونشر الفتن وبث الإشاعات المغرضة ما هي إلا مقدمة لإعداد الأرضية المناسبة للدول الاستعمارية للعودة مرة أخرى لاستعمار الأوطان واستعباد الشعوب.