قال الباحث السوري في القرآن الكريم، يحيى باشوري، يأتي مقال المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي “أسباب تفرق المسلمين” كنسمة صافية تجلي عن القلوب غبار التفرقة والخلاف، وما طرحه يمثل إضاءة على درب الوحدة والأخوة، فهو يستند إلى فهم راقٍ ووعي عميق بأساسيات ديننا الحنيف وجوهر رسالته الخالدة.
حيث يستشهد باشوري بالآية الكريمة من سورة الأنعام { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)} ليُؤكِّد على أن الاختلاف والتفرق قد ألقى بظلاله الثقيلة على الأمة الإسلامية، متجذرًا في الانتماءات المذهبية والفكرية التي تفصل بين المسلمين بدلاً من أن تجمعهم.
ويشير باشوري إلى أن الفترة التي تلت وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) شهدت تحولات كبرى، حيث بدأ الاعتماد على روايات وأحاديث نُسِبت إلى الصحابة رضي الله عنهم، مما ساهم في تكوين تصورات وممارسات دينية مختلفة، منتقدا هذا الاتجاه بحزم، معتبرًا أنه أسس لمناهج فكرية وتفسيرات متباينة أدت إلى تفرقة المسلمين إلى طوائف وفرق.
وأوضح باشوري إن الخلافات الفكرية والعقائدية التي تفرق جماعة المسلمين اليوم تعود جذورها إلى فهم مغلوط للدين، وتفسيرات بشرية تحيد عن جوهر الإسلام الحقيقي الذي أُرسل به النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). القرآن الكريم، كتاب الله المنزل، يبقى المصدر الأول والأخير لكل تشريع، ومنه يجب أن تُستقى الأحكام دون الاعتماد على روايات وأحاديث تتناقض مع مقاصده السامية. أضاف أن اختلاف الفهم والتأويل يجب ألا يكون سببًا في التفرقة والعداوة بين المسلمين، بل يجب أن يؤدي إلى تعميق البحث والتدبر في آيات الله.
كما اكد على انه من الضروري العودة إلى القرآن الكريم كمرجعية أولى وأساسية في تحديد معالم الدين الحقيقي وتجنب الانسياق وراء فتاوى وآراء تسعى إلى زرع بذور الفرقة والشقاق بين أبناء الأمة الإسلامية، حيث يجب علينا كمسلمين أن نتحلى بالوعي الكافي للتمييز بين ما هو أصيل وما هو مدسوس، وأن نبني فهمنا للدين على أسس قرآنية صحيحة.
وقال باشوري إن دعوة الإسلام إلى الوحدة ونبذ الفرقة لا تعني إلغاء التعددية الفكرية أو تكميم أفواه النقد البناء داخل الأمة، بل تعني ضرورة التعايش مع الاختلاف في إطار من الاحترام المتبادل والحوار الهادف، الذي يسعى إلى الوصول إلى الحقيقة وتعزيز وحدة الصف الإسلامي.
يستكمل يحيى باشوري طرحه بالتأكيد على أن التفرقة التي نشهدها بين المسلمين اليوم هي نتيجة لترسيخ مفاهيم ومعتقدات اجتهادية بحتة، أصبحت في بعض الأحيان توازي أو حتى تحل محل النصوص القرآنية الواضحة. يشدد باشوري على ضرورة إدراك المسلمين أن القرآن الكريم هو المصدر الأساسي الذي يجب أن يُرجَع إليه في كل الأمور الدينية، فهو الكتاب الوحيد الذي لا تشوبه تأويلات أو إضافات بشرية قد تضلل عن الحق. ويحث باشوري على العودة الصادقة والمخلصة إلى القرآن لاستخلاص الدروس والعبر التي تعزز من وحدة المسلمين وتكافلهم.
ينادي باشوري أيضًا بضرورة تجاوز الجدال العقيم حول المسائل الفرعية التي تفرق صفوف المسلمين وتبعدهم عن أهدافهم الأساسية. يرى باشوري أن التمسك بالتعاليم الإسلامية الجوهرية وقيم الرحمة والتسامح التي جاء بها القرآن الكريم يمكن أن يشكل أساسًا صلبًا لتعزيز العلاقات بين المسلمين من مختلف المذاهب والمدارس الفكرية. ويؤكد أن هذه القيم القرآنية يجب أن تكون الموجه لكل مسلم يسعى للحفاظ على وحدة الأمة وتماسكها في وجه التحديات العالمية التي تهدد استقرارها.
كما يشدد باشوري على أهمية بناء الوعي الإسلامي الذي يعتمد على التحليل العقلاني والنقدي للنصوص والتفسيرات الدينية، حيث يضيف أن المسلمين يجب أن يتحلوا بالوعي والإدراك الذي يمكنهم من تمييز الحقيقة من الزيف. ويرى أن تحقيق ذلك يتطلب الاستماع إلى الأصوات العقلانية والبناءة التي تدعو إلى حوار قائم على الاحترام المتبادل، مما يمكن الأمة الإسلامية من تحقيق استقرارها والارتقاء بوحدتها لتصبح قوة فعالة قادرة على مواجهة التحديات المعاصرة.
يختتم باشوري رده مؤكدًا على ضرورة تجاوز الخلافات المذهبية والتفرقة، والعمل على تعزيز قيم التسامح والتعاون بين المسلمين، مشددًا على أن هذا هو السبيل الأمثل لإعلاء شأن الأمة وتحقيق أمنها واستقرارها. يدعو باشوري إلى حوار هادف وبناء يقوم على أساس الاحترام المتبادل والرجوع إلى القرآن الكريم كمصدر إلهام دائم ومحور للوحدة والتماسك بين المسلمين.