لأنه في مقاله الأخير حول الأخلاق التعبدية في الإسلام قد لمس الأستاذ علي الشرفاء الحمادي جوهر نظرية الأخلاق الإسلامية ، فاستدعى ذلك بعض التساؤلات المنطقية حول مقاصد الحمادي من فكرة الربط الوثيق بين العبادات والأخلاق في الإسلام على هذا النحو ، فالصلاة كما أخبر القرآن الكريم لابد أن تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والصوم يستتبعه التقوى ، والزكاة غايتها التطهير والتزكية ، والحج يمنع الرفث والفسوق والجدال بالباطل .
وأول هذه التساؤلات التي يفرضها مقال الحمادي :
هل كان الحمادي يردُّ على فلاسفة اليونان الذين جعلوا الأخلاق فكرة معرفية نظرية تتحقق فيها الفضيلة ويصبح الإنسان كائنا أخلاقيا فاضلا إذا أصبح عالما عارفا بالخير والشر ، ذلك الذي لم يتحقق قط في أرض الواقع حتى بعد أن تعلم نصف أهل أثينا على يد سقراط وأفلاطون وأرسطو والأبيقوريين والسوفسطائيين والفيثاغوريين …إلخ.
فجاء الحمادي بهذه الأخلاق العملية خاصة في جانب المعاملات الإنسانية والتي توجه السلوك الإنساني ، وتنظم وترشد حركته في دنيا الواقع والتعايش والاختلاط ، وذلك ليُبرز الطابع العملي الأكثر تأثيرا وأهمية في منظومة الأخلاق الإسلامية التي تختلف عن الطابع النظري التجريدي لدى اليونان الذي يبقى حبيس العقول والأفكار بمنأى عن دنيا الواقع .
أما التساؤل الثاني فهل كان الحمادي بإيراده هذه الأخلاق التعبدية ( الثمرات
الواجبة من أداء المناسك والشعائر التعبدية بأركان الإسلام ) يريد بيان خصوصية دستور الأخلاق القرآنية في ربطه الوثيق بين المعرفة الأخلاقية وبين السلوك الأخلاقي الإيجابي العملي الذي يستفيد منه الناس ، وجعل العبادة والطاعة هي مصدر الإلزام بأداء السلوك الإيجابي ، وجعل لها صفة المراقب الأخلاقي على حسن سلوك الإنسان مع استمرار تلك المراقبة وذلك الإلزام على مدار الساعة واليوم والشهر والسنة ؟
والتساؤل الثالث : هل أراد الحمادي أن يبين أن الأخلاق الدينية هي ما امتازت به نظرية الأخلاق الإسلامية عما سواها من النظريات الأخلاقية ؟
وذلك بأنها جعلت الدين بما له من قوة تأثير غير محدودة على الروح والضمير والوجدان الإنساني مصدرا من مصادر الإلزام الأخلاقي ، وجعلت من العبادة مفوضاً بحق المراقبة الأخلاقية المستمرة على السلوك الأخلاقي ، وابتكرت نظرية الأخلاق الإسلامية نوعا جديدا من الأخلاق والسلوك الديني غير معروف لدى فلاسفة اليونان مثل الصبر والشكر والرضا والتوكل والإنابة والطاعة….إلخ.
لكي يثبت أصالة دستور الأخلاق القرآنية ، وتفرده عما سواه على العكس مما يُرمى به القرآن الكريم من جانب خصومه وغير المؤمنين به أنه لا يتضمن فكرا أخلاقيا أصيلا بل مجرد مجموعة من المواعظ الأخلاقية .