قدم المفكر العربي الكبير، الأستاذ “على الشرفاء الحمادي” في مقاله [احتكار تفسير القرآن]، رؤية نقدية تسعى لإعادة تقييم العلاقة بين المسلمين والنص القرآني. من خلال تحليل معمق، استطاع المفكر العربي علي الشرفاء ان يبرز كيف أن الاعتماد الكلي على تفسيرات وسلطة “شيوخ الإسلام” ومن يسمون أنفسهم بـ “علماء الدين” قد أسهم في خلق حاجز بين المؤمنين والتفكر الحر في آيات القرآن الكريم. حيث يدعو مقاله إلى التفكير النقدي والعودة إلى جوهر الإسلام الذي يتمثل في القرآن، مؤكدًا على ضرورة التحرر من الأغلال الفكرية التي فرضتها تفسيرات قد تكون محل نقاش وجدل
والي نص مقال المفكر العربي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي
استطاع من يسمونهم شيوخ الإسلام وعلماء الدين، والأئمة إقناع الناس بواسطة أتباعهم المسترزقين منهم، بأنهم الوحيدون القادرون على فهم القرآن وتفسيره لهم، مما يعني أن يحتكروا فهم مقاصد الآيات ليتوقف العقل عن التفكر والتدبر في آيات القرآن الكريم، علما بأنَّ الله تعالى جعل التفكر في القرآن فرضَ عين، لأنَّ الله سبحانه يخاطب العقل الذي لديه القدرة على قياس الأمور ومعرفة الحق من الباطل، حتى لا يستأثر بعض خلقه باختزال المعرفة وتعطيل الناس عن التفكر فيما خلق الله في كونه. وحين اعتمد المسلمون على مفاهيم دينية، مقتنعين بأفكار وتفاسير تُصَدَّر لهم من مختلف الأئمة والدعاة، بالرغم من تباين المفاهيم بين العلماء أنفسهم وتناقض المصطلحات عندهم، وتعدد المرجعيات التي يتبعها كل منهم، التي مضت عليها القرون وأحاطت بها الشكوك والظنون.
فكلنا مؤمنون بأن محمدًا، خاتم الأنبياء والمرسلين، وأنزل الله معه النور الذي جاء به القرآن الكريم، وأمر المسلمين باتباعه، وهو الإمام الأوحد للمسلمين فلا نتبع غيره إمامًا. ومرجعنا كتاب الله وآياته فقط. فَسَيُسأل الإنسان يوم القيامة، بقوله تعالى:
﴿فَٱسۡتَمۡسِكۡ بِٱلَّذِیۤ أُوحِیَ إِلَیۡكَۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ ٤٣ وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرࣱ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسۡـَٔلُونَ ٤٤﴾ [الزخرف ٤٣-٤٤]
والسؤال الأول للناس جميعًا: هل استمسكنا بالقرآن واتبعنا تعاليمه؟
والسؤال الثاني قوله تعالى:
﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَلَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاً﴾ (الأحزاب).
كما تبين الآيات المذكورة أمرين سَيُسْأَل الناس عنهما يوم القيامة: هل اتبعنا القرآن، وسؤال: هل أطعنا الله والرسول فيما بلغ الناس من آيات الله وكلماته، وهل اتبعوا تشريعاته وأخلاقياته؟ فليس بينهم سؤال عن طاعة البخاري أو مسلم، أو ابن تيمية، أو ابن عبد الوهاب، أو أي من عباده والأساطير الشخصية الدينية يوم القيامة. فمن أراد النجاة من العقاب والعذاب عليه أن يتبع أوامر الله في قرآنه، ويتبع رسوله فيما بلغه للناس من آيات كريمة، تنفيذا لأمره سبحانه بقوله:
﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ (126) ﴾ ( طه: ١٢٣- ١٢٦).