تناولت ورقة بحثية بعنوان المراجعات الفكرية من التطرف إلى الحوار للباحثة المغربية ندى ناجي وقد اكدت الباحثة ان عوامل التطرف الديني لدى المنتسبين للحركات الإسلامية المتطرفة أو المتأثرين بفكرها، من خلال تحليل الظاهرة، واستعراض الاستشهادات التي يرتكز عليها المتطرفون، وعبر تحليل المعطيات التي توصلت إليها، من خلال أبحاث ميدانية وحوارات أجرتها مع اختصاصيين نفسيين واجتماعيين، ولقاءات بمتطرفين سابقين قاموا بمراجعات فكرية.
باحثة مغربية
من خصائص التطرف لدى الإسلام الحركي خلطه بين الديني والسياسي والاجتماعي، كونه يتدخل في الحريات الفردية، كما يتدخل في سياسات الدولة وعلاقاتها الاقتصادية
وأوضحت، أن من خصائص التطرف لدى الإسلام الحركي خلطه بين الديني والسياسي والاجتماعي، كونه يتدخل في الحريات الفردية، كما يتدخل في سياسات الدولة وعلاقاتها الاقتصادية، بل وفي نظام البنوك نفسه، ويدعم كل فكرة أو طرح بآيات قرآنية وبأحاديث نبوية، ما يُضفي على الممارسات صبغة وصيغة شرعية دينية تبرر التجاوزات والجرائم، ما يصور الدين الإسلامي، عند البعض، بصورة دين دموي يقتات على الذبح والقتل والسبي.
وترى ناجي، أن الاجتهادات التجديدية والمراجعات – وإن كان هدفها إنسانياً طامحاً لتجديد الخطاب الديني، وإلى تنقيح التراث الإسلامي، من التفاسير التي تمس بصورة الإسلام والمسلمين من جهة، وبأمن المواطنين داخل الدول الإسلامية وخارجها من جهة أخرى – إلا أنها تظل غير كافية، إذ نجد بعضها لا يتناسب مع سياق الآيات، والبعض الآخر يسقط في محاولة التبرير على حساب المعطيات التاريخية.
وهو ما يتفق مع ما ينادي به المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي من ضرورة مراجعة الخطاب الديني، وتغييره وتجديده وتحريره من النصوص والروايات والتفاسير الفقهية التي تبرِّر كل هذا الكم من فائض العنف والإرهاب، الذي أصبح عنوانًا للخطاب الإسلامي المعاصر، أشار المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في كتابه “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”
علي محمد الشرفاء الحمادي
الرجوع إلى النص القرآني بوصفه المرجعية الأساسية والوحيدة للمسلمين هو الحل للخروج من المأزق الذي وضعتنا فيه المرجعيات والتفسيرات التي وضعها علماء الحديث والفقهاء، التي كانت سببًا في طمس الوجه المشرق للإسلام وتشويه صورته السمحاء
أنَّ الرجوع إلى النص القرآني بوصفه المرجعية الأساسية والوحيدة للمسلمين هو الحل للخروج من المأزق الذي وضعتنا فيه المرجعيات والتفسيرات التي وضعها علماء الحديث والفقهاء، التي كانت سببًا في طمس الوجه المشرق للإسلام وتشويه صورته السمحاء، وفي هذا الصدد يرى الباحث أنَّ المسلمين اليوم ليس أمامهم سوى طريقين لا ثالث لهما: إما أن نؤمن بالله الواحد الأحد وبكتابه، القرآن الكريم هاديًا ومرشدًا لنا، وإما أن نتبع الروايات التي روِّج لها ممن يسمون أنفسهم بعلماء الدين، وعلماء الحديث، وشيوخ الإسلام، وأقحموها في قناعات المسلمين وفي معتقداتهم، فكانت سببًا في تفرقهم وتشرذمهم فرقًا وشيعًا وأحزابًا يكفِّر بعضهم بعضًا ويقتل بعضهم البعض الآخر.
ويستدل الشرفاء بآيات من القرآن الكريم تؤكد رؤيته في أنَّ النص القرآني هو المرجعية التي ينبغي للمسلمين أن يحتكموا لها في حياتهم، وفي معاشهم كما في قوله تعالى: «تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون»(الجاثية 6)، بل إنَّ الرسول محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ يشتكي المسلمين إلى الله لأنَّـهم هجروا القرآن وابتعدوا عن الطريق القويم. يقول تعالى «وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا القرآن مَهْجُورًا»(الفرقان:30).
وينتهي علي محمد الشرفاء الحمادي في كتابه إلى نتيجة مهمة، وهي أنَّ الخطاب الإلهي هو المقدس الأوحد، هو خطابٌ للأحياء وليس للأموات أو للماضي، وهذا معناه أنَّه خطابٌ متجددٌ ومتفاعلٌ مع واقع الحياة الإنسانية المتغيرة المتجددة، أو كما يقول في خاتمة دراسته: «وبهذا يكون الخطاب ليس خطابًا للأموات، ولا هو للأمم السابقة، بل هو خطابٌ للأحياء الذين يتلون كتاب الله، ويستمعون إليه ويتفاعلون مع نصوصه، كي تتحقق الصلة بين الله وعباده بحبل من الله يمتد من الأرض إلى السماء، ولن يحدث ذلك الاتصال إلا من خلال الالتزام بتعاليم القرآن الكريم».
وهو الامر الذي تذهب اليه الباحثة ندي ناجي في بحثها “المراجعات الفكرية من التطرف إلى الحوار” إلى أن النص القرآني عامر بآيات تحث على القتال والقتل، معززة بشواهد من تاريخ المعارك التي خاضها الرسول وصحابته، موضحةً أن التعامل مع الآيات بالتأويلات ربما يخرج بها عن حدودها اللغوية، مبنى ومعنى، مثل ما يكون التعاطي معها قاصراً، إن نحن جردناها عن حيثيات واقعها المكاني والزماني.
واقترحت منهجية جديدة في التعامل مع النصوص الدينية بتقديم تفاسير معاصرة، تقوم أساساً على ملاحظة تنوع الآيات واختلافها، من منظور وظيفتها والمراد بها. فالله تعالى لم ينزل آياته عبثاً، بل أنزلها لأسباب معينة، تختلف الغاية منها حسب السياق وطبيعة الخطاب الديني، وحسب دورها الاجتماعي والعقدي.
وتؤكد ناجي، أن القرآن شامل من حيث تطرقه لكافة جوانب حياة الإنسان المسلم، ومن حيث تأطيره لها، وهو صالح لكل زمان ومكان، من حيث أهمية ما أتى به للمسلم في كل العصور وحيثما كان، إلا أن التطبيق يحتاج إلى إدراك الغايات، فليس كل القرآن نواهيَ وأوامر، بل فيه من المعاني والمقاصد ما هو أعمق من ذلك.
وتطلّعت إلى التعامل مع الآيات بحسب سياقاتها، فمنها الموجب للعمل، وهي آيات الفرائض وأمور العقيدة والعبادات، وآيات تقتضي التسليم والتصديق، وهي تتحدث عن الحياة الأخرى وما يجري فيها، وآيات تنصب على حالات معينة، في ظروف وشروط خاصة، تستدعي – بحكم تغير الظروف وتبدلِ الشروط – إعادة قراءتها، في ضوء مستجدات واقع الإنسان المسلم، قراءةً تمكنه من مواكبة عصره والانخراط فيه ثقافياً وعلمياً محلياً ودولياً دون عوائق، وبعيداً عن إحالة الحاضر على الماضي.
ندي ناجي
ابارك كل المجددين دعوتهم لمراجعة التراث الإسلامي وتفادي الغلو في الدين، ووجوب تجنب أي تفسير بعيد عن السياق الأخلاقي الذي يهدف إلى الارتقاء بالبشرية وبالقيم الإنسانية، وتعزيز التسامح والتعايش بين الأديان والثقافات والأمم، والأفراد
وباركت الدراسة في نهايتها جهود معظم المجددين في الخطاب الديني، بدعوتهم لضرورة مراجعة التراث الإسلامي بما هو تراث، وتفادي الغلو في الدين، ووجوب تجنب أي تفسير بعيد عن السياق الأخلاقي الذي يهدف إلى الارتقاء بالبشرية وبالقيم الإنسانية، وتعزيز التسامح والتعايش بين الأديان والثقافات والأمم، والأفراد، إلا أنها تؤكد الاعتراف بالحقائق التاريخية التي عرفها المسلمون خلال وبعد فترة نبي الإسلام، وإرجاعها إلى سياقها التاريخي وظروف الحياة القبلية التي كان يعيشها المسلمون آنذاك.
وتطلّعت لقراءة تتناغم مع عصر الدولة والمؤسسات والعلاقات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، للتصالح مع المتغيرات، وقراءة الدين على النحو الذي يكون فيه قابلاً لاستيعاب مبدأ التطور والتجاوب مع الحاضر واستشراف المستقبل. وهذا هو مصداق القول: «إن القرآن صالح لكل زمان ومكان»، إذ الصلاحية تعني التوافق مع مختلف العصور والمجتمعات، وتتنافى مع تشبث المسلم بوقائع القرون الهجرية الأولى والتمسك بالإحالة عليها.