شهدت الساحة الفكرية الإسلامية العديد من المحاولات التي تسعى لفهم تأثير الروايات الدخيلة والإسرائيليات على التراث الإسلامي، ومن بين هذه المحاولات، تأتي دراسة وليد فكري ” أساطير مقدسة.. أساطير الأولين في تراث المسلمين”، التي تقدم نظرة نقدية حول كيفية دخول وتأثير الإسرائيليات على الفكر الإسلامي. هذه الدراسة تتوافق بشكل كبير مع أفكار المفكر العربي علي محمد الشرفاء، الذي يناقش في مقاله “تأثير فقهاء السوء على فهم الأركان والغايات العليا للإسلام” كيف أن الفقهاء أساءوا استغلال هذه الروايات لإبعاد المسلمين عن جوهر الإسلام.
دخول الإسرائيليات وتشويه المفاهيم
في دراسته، يوضح وليد فكري كيف تسللت الإسرائيليات إلى التراث الإسلامي من خلال فضول المسلمين الجدد في معرفة تفاصيل القصص القرآنية. كان هذا البحث في كتب أهل الكتاب، وخاصة اليهودية، سبباً في دخول هذه الروايات إلى كتب التفسير والحديث. فكري يرى أن هذه الروايات أضافت تفاصيل غير دقيقة ومضللة، مما أدى إلى تغيير الفهم الأصلي لبعض القصص القرآنية وتشويهها في بعض الأحيان.
من جهة أخرى، يوافق المفكر علي محمد الشرفاء على أن هذه الروايات أسهمت في تشويه المفاهيم الدينية. لكنه يركز بشكل أكبر على دور الفقهاء في الترويج لهذه الروايات واستغلالها لخدمة أجنداتهم الخاصة. يرى الشرفاء أن فقهاء السوء استخدموا هذه الروايات لتحويل الإسلام إلى مجموعة من الطقوس الشكلية، بدلاً من التركيز على الأهداف العليا للدين مثل العدل والرحمة.
الفهم الخاطئ للأركان والغايات الإسلامية
تتناول دراسة فكري تأثير الإسرائيليات في تقديم صورة غير دقيقة عن الإسلام. يوضح كيف أن هذه الروايات أثرت على تفسير القصص القرآنية، وقدمت تفاصيل تعزز فكرة الإسلام كدين مليء بالغموض والخرافات. يرى فكري أن هذا أدى إلى تحويل الإسلام عن مساره الصحيح، وجعل فهم المسلمين للإسلام مشوهاً ومليئاً بالتعقيدات.
يتفق المفكر علي الشرفاء مع هذا الطرح، مشيراً إلى أن فقهاء السوء ساهموا في ترسيخ فهم خاطئ للإسلام. ويرى أن هؤلاء الفقهاء انحرفوا عن الخطاب الإلهي الذي يدعو إلى التوحيد، والرحمة، والعمل الصالح، بدلاً من ذلك، ركزوا على تفاصيل طقوسية، وأهملوا القيم الأساسية للإسلام، مما أدى إلى تشويه رسالة الإسلام وجعلها تبدو وكأنها مجرد سلسلة من الشعائر دون روح.
الدعوة إلى العودة إلى القرآن والعقلانية
يشدد وليد فكري في دراسته على أهمية الرجوع إلى القرآن الكريم كمصدر رئيسي للتشريع والفهم الصحيح، مع الاستفادة من العلم والعقل في مواجهة الروايات الدخيلة. يرى أن العقلانية والتحليل النقدي يمكن أن يكشفا عن التناقضات في هذه الروايات، وبالتالي يمكن تصحيح الفهم الإسلامي الذي تأثر بها.
“الشرفاء” من ناحيته، يركز على نفس الفكرة، حيث يدعو إلى استخدام العقل في فهم النصوص الدينية وتطبيقها. يؤكد على ضرورة العودة إلى القرآن الكريم والابتعاد عن الروايات التي تتعارض مع روح الإسلام. يرى أن الإسلام جاء لتحقيق الرحمة، والعدل، والسلام، وأن هذه القيم يجب أن تكون هي الأساس في فهم الدين.
الفقهاء ودورهم في الترويج للإسرائيليات
توضح الدراسة كيف أن بعض المفسرين والفقهاء تأثروا بالإسرائيليات، ودمجوها في تفسيراتهم للقرآن. يشير إلى أن الفضول الزائد لدى المسلمين تجاه التفاصيل الدينية دفع بعض الفقهاء إلى تبني هذه الروايات وتضمينها في التراث الإسلامي.
يتناول الشرفاء نفس النقطة، لكنه يذهب أبعد من ذلك ليشير إلى أن بعض الفقهاء استخدموا هذه الروايات عن قصد لخدمة مصالحهم الشخصية. يعتقد أن فقهاء السوء شوهوا رسالة الإسلام، وحصروا الدين في الطقوس والشعائر، وأهملوا الجوانب الإنسانية والاجتماعية التي تدعو إليها الرسالة المحمدية.
التوافق في الرؤية والإصلاح
بالرغم من اختلاف المنهج الذي اتبعه كل من فكري والشرفاء في تناول الموضوع، إلا أن هناك توافقاً واضحاً في رؤيتهم، فكلاهما يسعى إلى كشف الحقائق وتصحيح الفهم الخاطئ الذي ترسخ عبر الزمن نتيجة لتأثير الروايات الدخيلة. فكلا الكاتبين يدعو إلى العودة إلى القرآن الكريم والفهم الصحيح للإسلام، ويركز على القيم العليا للدين مثل العدل، والإحسان، والعمل الصالح.
يشدد فكري على أهمية العلم والتحليل النقدي في تنقية التراث الإسلامي من الروايات المشبوهة. بينما يركز الشرفاء على الدعوة إلى العمل الصالح والتطبيق العملي لقيم الإسلام في الحياة اليومية، ويرى أن هذا هو الطريق الوحيد لتحقيق الإصلاح الديني والفكري.
الدعوة إلى الوعي والتنوير
يخلص كل من وليد فكري والمفكر علي الشرفاء إلى أن هناك حاجة ماسة لزيادة الوعي بين المسلمين حول تأثير الروايات الدخيلة على فهمهم للإسلام. يدعو فكري إلى تبني موقف نقدي تجاه التراث الإسلامي، مع التركيز على القرآن الكريم والسُنة النبوية الصحيحة كمصادر أساسية. بينما يركز الشرفاء على أهمية التمسك بالقيم الإنسانية للإسلام، مثل العدل والرحمة، والابتعاد عن التعصب والشعائر الفارغة.
يتفق الكاتبان على أن الطريق إلى الإصلاح يبدأ بإعادة النظر في التراث الديني، والعودة إلى المبادئ الأساسية للإسلام. كما يشددان على ضرورة استخدام العقل والتحليل النقدي لمواجهة التفسيرات الخاطئة والروايات التي لا تتوافق مع روح الإسلام.
خاتمة