يبدأ المتدبر التونسي وصاحب مدونة بالعقل نبدئ “احمد عرفاوي“ حواره بشكر المفكر العربي علي محمد الشرفاء على مقاله المتميز “دور العبادات في تحقيق العدالة والأخلاق”حيث يقول عرفاوي ” إن المقال يمثل نموذجًا متقدمًا في التفكير حول أهمية العبادات في الإسلام، حيث يوضح الشرفاء كيف أن العبادات ليست مجرد طقوس، بل وسائل تهدف إلى تحقيق العدالة والأخلاق في المجتمع”.
ويرى عرفاوي أن الشرفاء قدم رؤية عميقة، تسهم في فهم أوسع لدور الدين في تهذيب النفس وبناء مجتمعات متعاونة.
ومن وجهة نظر أحمد عرفاوي، يثير مقال الشرفاء تساؤلات جوهرية حول مفهوم الصلاة كما تُمارس اليوم في المجتمعات الإسلامية. يتساءل عرفاوي: هل الصلاة التي نمارسها تتطابق مع ما جاء في القرآن الكريم؟ أم أن الصلاة التي نمارسها اليوم هي نتاج تحريفات طرأت على النصوص الأصلية؟ هنا، يشير عرفاوي إلى أن القرآن، ورغم وضوحه وكماله، لا يتضمن تفصيلًا دقيقًا لعدد الركعات أو توقيتات الصلاة بالشكل الذي ورثناه عن الأجيال السابقة. ويقول عرفاوي إننا نبحث دائمًا عن دلائل تثبت صحة ما تعلمناه من موروثات، لكن ربما نحتاج إلى مراجعة تلك الموروثات بنظرة نقدية أعمق.
ويؤكد أحمد عرفاوي أن الشرفاء كان محقًا عندما أشار إلى أن الصلاة يجب أن تكون مرتبطة بالقيم الأخلاقية والعدالة. يرى عرفاوي أن الخشوع والتدبر هما جوهر الصلاة، وليس مجرد أداء الحركات أو اتباع القواعد الشكلية، الصلاة التي نمارسها يجب أن تعكس صدقًا في التعامل مع الآخرين وتحث على العدل والرحمة. لكن الواقع الحالي، كما يراه عرفاوي، يظهر أن الكثير من المسلمين يؤدون الصلاة دون أن تكون لها انعكاسات واضحة على حياتهم اليومية.
ويتابع عرفاوي في تحليله ” إضاعة الصلاة لا تعني بالضرورة تركها، بل تعني فقدان روحها وتأثيرها في السلوك”. يستند عرفاوي إلى آية “فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ” ليؤكد أن الصلاة يجب أن تكون وسيلة لتحسين النفس والمجتمع، لا مجرد أداء شكلي. يقول عرفاوي إن ملايين المسلمين يصلّون يوميًا، ولكن أثر صلاتهم غير مرئي في تعاملاتهم مع بعضهم البعض، متسائلًا: لماذا لا نجد أن الصلاة تغير من سلوكياتنا وتدفعنا نحو العدل والرحمة؟
عرفاوي يشير أيضًا إلى أن التنافس المذهبي حول كيفية أداء الصلاة زاد من تعقيد الأمور، حيث أصبح البعض يركز على التفاصيل الشكلية للصلاة مثل وضع اليدين أو القدمين، بدلًا من التركيز على جوهر العبادة. ويقول عرفاوي إن هذا التنافس أدى إلى إفراغ الصلاة من محتواها الروحي، مضيفًا أن الشرفاء كان دقيقًا في انتقاده لهذه الظاهرة التي حولت الصلاة إلى مجرد طقس يخضع للمنافسة بين المذاهب.
من منظور عرفاوي، الصلاة ليست مجرد طقوس تُمارس، بل هي صلة بين العبد وربه. ويؤكد أن هذه الصلة يجب أن تكون مبنية على الخشوع والتقوى، وأن تؤدي إلى تحسين النفس. يرى عرفاوي أن الشرفاء محق في تأكيده أن العبادات في الإسلام ليست غايات في حد ذاتها، بل وسائل لتحقيق الأخلاق والعدل. ويضيف عرفاوي أن العبادات مثل الزكاة والصوم والحج ليست فقط أفعالًا، بل هي وسيلة لتحقيق المساواة وتطهير النفس وبناء مجتمعات أكثر عدلًا وتعاونًا.
عرفاوي يربط بين مقال الشرفاء وواقع المسلمين اليوم، مشيرًا إلى أن الكثير من المسلمين يلتزمون بالعبادات، لكن دون أن يكون لها أثر حقيقي في حياتهم. ويرى أن السبب في ذلك هو التركيز المفرط على الشكليات دون النظر إلى الغايات الأساسية للعبادات. الصلاة والزكاة والحج والصوم كلها عبادات تهدف إلى تهذيب النفس وإصلاح المجتمع، لكنها فقدت جزءًا من معناها الحقيقي بسبب تركيز البعض على التفاصيل الشكلية.
ويعيد أحمد عرفاوي التأكيد على أهمية مقال الشرفاء في دعوته إلى مراجعة مفهوم العبادات في الإسلام ويشيد بقدرة الشرفاء على تقديم رؤية متزنة تجمع بين أهمية الشعائر وضرورة ربطها بالقيم الأخلاقية. يرى عرفاوي أن المقال يمثل دعوة مفتوحة للمسلمين لإعادة التفكير في كيفية ممارستهم للعبادات، بما ينسجم مع جوهر القرآن الكريم وتعاليمه. ويقول إنه إذا استعاد المسلمون الفهم العميق للعبادات كوسيلة لتحقيق العدالة والأخلاق، فإنهم سيحققون تغييرًا إيجابيًا في حياتهم ومجتمعاتهم.
ختامًا، يعبر أحمد عرفاوي عن شكره وامتنانه للمفكر علي محمد الشرفاء على طرحه العميق والمهم، مؤكدًا أن هذا المقال يفتح آفاقًا جديدة للتفكر في دور العبادات في الإسلام ويقدم رؤية جديدة يمكن أن تسهم في إصلاح الفكر الديني المعاصر.