قال الدكتور مصطفى بوهندي، أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الدار البيضاء، “في البداية احب ان اعرب عن اتفاقي الكامل مع المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي حول تأثير فقهاء السوء على فهم الأركان والغايات العليا للإسلام، حيث يرى بوهندي أن هؤلاء الفقهاء قد أساءوا تفسير بعض النصوص الدينية، وقدموا روايات لا تمت بصلة إلى الإسلام، مثلما يظهر في حديث البخاري عن الثلاثة الذين تكلموا في المهد، وهو حديث يتبناه كثيرون دون تحقيق أو تدقيق، مما يؤدي إلى نشر الإسرائيليات والأفكار المغلوطة.
ويشير استاذ مقارنة الأديان الى انه في كثير من خطب الجمعة التي يلقيها الأئمة على المنابر ، يتحدثون عن حديث البخاري الشهير، مستعرضين كل مفردة من الحديث بحماس، شارحًين مضامينه على أنه يقدم حكمة وفائدة، دون التحقق من أصل الحديث ومن مدى موافقته لروح الإسلام والقرآن، معتبرين أن هذا الحديث يبين زهد الراهب جريج، ويعطي عبرًا عن الأخلاق والتضحية، لكن الحديث في ذاته يحتوي على عناصر تثير الكثير من التساؤلات حول صحته ومصداقيته.
يضيف بوهندي أن مشكلة هذا الحديث تكمن في أنه يحمل روايات متداخلة من الإسرائيليات والنصرانيات التي تتناقض مع القرآن، وبحسب بوهندي فقد أورد الحديث ثلاثة صبيان تكلموا في المهد، بينهم عيسى بن مريم، لكن الرواية تُقلل من أهمية هذه المعجزة التي اختص بها القرآن عيسى وحده، باعتبارها دليلًا على براءة أمه وطهارتها، فالرواية تنسب الكلام في المهد أيضًا إلى ابن زانية، الذي تكلم ليبرئ جريج، وإلى طفل آخر يتحدث ليرد على أمه التي تمنت أن يكون مثل رجل ذي شارة.
بوهندي يرى أن هذا الحديث يأتي في سياق تحريف الكلم عن مواضعه، كما حذّر القرآن الكريم. القرآن يبين بوضوح أن معجزة الكلام في المهد تخص عيسى وحده، وكانت آية دالة على طهره وطهر والدته، مريم. وبالرغم من ذلك، عمد المحدثون إلى جمع روايات إضافية من الإسرائيليات والنصرانيات التي تتناقض مع رسالة الإسلام، وأعادوا تفسير القرآن بهذه الروايات، مما أفسد الفهم الصحيح لآياته.
واستنادًا إلى هذه الروايات، بدأ بعض الفقهاء في نشر تلك الأفكار بين الناس على أنها من الدين. يضيف بوهندي أن ما قام به العلماء المسلمون هو خلط التفسير القرآني بالفهم الإسرائيلي للنصوص الدينية، مما أدى إلى تحريف الرسالة الإسلامية. هذا الحديث، الذي أورده البخاري وغيره من المحدثين، هو مثال حي على هذه المحاولة لتضليل المسلمين عن حقيقة آيات القرآن الكريم.
يؤكد بوهندي أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي دافع عن السيدة مريم وابنها عيسى من بهتان اليهود والنصارى، وخصص لذلك سورتين كاملتين هما آل عمران ومريم. ذكر القرآن مريم بالاسم، وذكر اسم عيسى مقترنًا بأمه، مما يعزز طهارتهما واصطفاء الله لهما على العالمين. كانت آية الكلام في المهد هي الدليل القاطع على براءة مريم وتأكيد رسالة عيسى، وقد جاءت هذه الآية في القرآن بشكل خاص، لتعبر عن معجزة فريدة.
وفي السياق ذاته، يشير بوهندي إلى أن الجهل بما يميز القرآن الكريم في مجال مقارنة الأديان جعل بعض العلماء المسلمين ينزلقون في تفسيرات تعتمد على الإسرائيليات، وكأنها حقائق دينية. القرآن يختلف نوعيًا عن الكتب السابقة؛ إذ جاء ليصحح ما حرف من تلك الكتب ويزيل اللبس عنها، ومع ذلك، نجد بعض الفقهاء يعودون إلى تلك الروايات الإسرائيلية والنصرانية ويجعلونها جزءًا من تفسير القرآن والسُنة.
ومن الأمثلة الواضحة على هذا الخلط، الحديث الذي أورده البخاري عن الزانية التي تكلم مولودها في المهد ليشهد على تبرئة الراهب جريج، هذا الحديث يحمل رسالة معاكسة تمامًا لآية عيسى في القرآن، حيث يتحدث القرآن عن كلام عيسى في المهد كدليل على براءته وبراءة أمه، في حين أن حديث البخاري يجعل الكلام في المهد دليلًا على إدانة الزانية.
وفي نفس السياق، يتناول بوهندي قصة جريج مع أمه التي لم يجب دعوتها أثناء صلاته، يرى بوهندي أن هذه الرواية تستلهم من قصص الإنجيل التي تتحدث عن المسيح وأمه، في الرواية الإنجيلية، رفض المسيح تلبية نداء أمه عندما كانت تنتظره، مما أعطى انطباعًا بأنه كان عاقًا لها، وهذا ما يتنافى تمامًا مع ما جاء في القرآن عن بر المسيح بوالدته.
القرآن يرد على هذه المزاعم بوضوح، فقد جاء في سورة مريم أن عيسى قال وهو في المهد: “وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا”، هذه الكلمات تحمل رسالة واضحة بأن عيسى كان بارًا بأمه، ولم يكن جبارًا عاقًا لها، كما تحاول الروايات الأخرى أن توحي.
في الختام، يؤكد بوهندي أن هذه الأحاديث والروايات التي يتم نشرها دون تمحيص قد أساءت إلى الفهم الصحيح للإسلام. يحتاج المسلمون إلى مراجعة شاملة لما ورد في كتب الحديث، وإلى التركيز على القرآن كمصدر أساسي لفهم الدين. ينبغي التصدي لهذه الروايات المغلوطة وبيان زيفها، حتى لا تظل الأجيال القادمة تحت تأثير هذه الأفكار المشوهة التي تحرف رسالة الإسلام.