يقدم الدكتور علي بن إبراهيم القاضي، فى دراسة بعنوان “الآثار النفسية للإعراض عن ذكر الله: دراسة مقارنة بين النصوص القرآنية والنظريات النفسية”، تحليلًا شاملًا للآثار النفسية التي يتعرض لها الفرد عندما يبتعد عن ذكر الله، من منظور يجمع بين النصوص القرآنية والأطر النظرية النفسية الحديثة. تستند هذه الدراسة إلى فهم عميق للآيات القرآنية التي تحذر من الإعراض عن ذكر الله، وتربط ذلك بتداعيات نفسية معروفة في علم النفس مثل القلق، الاكتئاب، وفقدان المعنى في الحياة.
وهذا الطرح يتوافق بشكل كبير مع أفكار المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، وخاصة ما قدمه في مقاله “دور القرآن في بناء مجتمع العدل والسلام”. الشرفاء يؤكد في مقاله أن القرآن ليس فقط كتابًا للهداية الروحية، بل هو أيضًا دليل شامل لبناء مجتمع مستقر ومزدهر. يرى الشرفاء أن التمسك بتعاليم القرآن هو السبيل لتحقيق العدل والسلام، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع ككل.
وفي مثال يوضح توافق أفكار الشرفاء مع دراسة القاضي، نجد أن كلاهما يركز على فكرة أن الابتعاد عن ذكر الله يؤدي إلى اضطراب في الحياة النفسية والاجتماعية. الشرفاء يشير إلى أن القرآن هو الضامن لتحقيق السلام والعدالة، ليس فقط من خلال هدايته الروحية، بل أيضًا من خلال دوره في تهذيب النفس وتنظيم الحياة الاجتماعية. القاضي يوضح أن هذا التنظيم النفسي ينبع من السكينة التي يجدها الفرد في ذكر الله، وهي سكينة تفتقدها النظريات النفسية الحديثة التي غالبًا ما تركز على الجوانب المادية للحياة دون الاهتمام بالجانب الروحي.
القاضي يعتمد في دراسته على مجموعة من الآيات القرآنية التي تشير إلى عواقب الإعراض عن الذكر، مثل “فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا”، مشيرًا إلى أن هذا الضنك النفسي يمكن تفسيره من خلال مفاهيم نفسية حديثة تتعلق بالاضطراب النفسي والشعور بالفراغ الداخلي. يوضح القاضي أن الأفراد الذين يبتعدون عن ذكر الله قد يعانون من نقص في السكينة والطمأنينة، مما ينعكس سلبًا على صحتهم النفسية العامة، حيث يرتبط هذا الإعراض بفقدان الاتصال بالمعنى الأعمق للحياة وبالهدف الروحي الذي يوجه الإنسان نحو السلام الداخلي.
الدراسة تقارن بين ما تقدمه النصوص القرآنية حول هذه الآثار النفسية وما تقوله النظريات النفسية الحديثة، مثل نظريات علم النفس الإيجابي التي تشير إلى أهمية الإيمان والروحانية في تحقيق الرفاهية النفسية. القاضي يوضح أن القرآن الكريم يقدم خارطة طريق واضحة للعيش بسلام داخلي وتحقيق الراحة النفسية من خلال الالتزام بذكر الله والابتعاد عن الملهيات الدنيوية التي تؤدي إلى القلق والتوتر.
تعد هذه الدراسة من القاضي إضافة مهمة للأدبيات التي تربط بين علم النفس والدراسات القرآنية، حيث تقدم تفسيرًا علميًا للآثار النفسية للإعراض عن ذكر الله، مدعومًا بالأدلة النصية والنظرية. وفي نفس الوقت، يعزز هذا الطرح أفكار الشرفاء التي ترى في القرآن الحل الأمثل لتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي. في النهاية، يتفق القاضي والشرفاء على أن القرآن يقدم الحلول الشاملة التي يحتاجها الإنسان ليعيش حياة متوازنة مليئة بالسلام الداخلي والازدهار الاجتماعي.