قال الدكتور أحمد إبراهيم جاسم مدرس الفلسفة الإسلامية بجامعة بغداد أن الرد على مقال المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي المعنون بـ “ونعلم ما توسوس به نفسه” يتطلب تناوله من زاوية علمية تحترم النصوص الدينية وتفهمها ضمن سياقها التاريخي والديني.
مضيفا أن الإسلام يتميز بالتوازن بين النصوص القرآنية والأحاديث النبوية كمصدرين رئيسيين للتشريع والإرشاد في الدين الإسلامي.
مؤكدا على أن القرآن الكريم، يحذر بشكل صريح من افتراء الكذب على الله ويؤكد على أهمية اتباع ما أنزل من الله دون إضافة أو نقصان. ومن هذا المنطلق، يعتبر القرآن الكريم المصدر الأول والأساسي للتعاليم الدينية في الإسلام.
وفيما يتعلق بمسألة رفع الأعمال في شهر شعبان، فقد أشار الباحث في العلوم الإسلامية الي ان هذا الموضوع متجذر في الأحاديث النبوية التي تُعتبر مصدرًا ثانويًا للتشريع بعد القرآن الكريم. فهناك أحاديث صحيحة ومتفق عليها تشير إلى خصوصية شهر شعبان في هذا السياق، ومنها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “تُرفع الأعمال إلى الله في شهر شعبان، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم”، وهذه الأحاديث تُظهر جانبًا من العبادة والتقرب إلى الله.
من الناحية العلمية والعقلية، يمكن فهم تخصيص أوقات معينة لرفع الأعمال فيما لا يتناقض مع علم الله الأزلي والأبدي. فالله سبحانه وتعالى يعلم كل شيء في كل وقت، ولكن تخصيص أوقات لرفع الأعمال يمكن أن يكون لحكمة بالغة وتربية روحية للمؤمنين، لتحفيزهم على مزيد من العبادة والتقرب إلى الله، خاصة في أوقات معينة يُرجى فيها زيادة الأجر والمغفرة.
واشار مدرس الفلسفة الإسلامية بجامعة بغداد
الى إن الجمع بين النصوص القرآنية والأحاديث النبوية في فهم الدين يتطلب منهجًا يراعي صحة الأحاديث وسياقها ومدى توافقها مع القرآن الكريم. ولذلك، يجب الرجوع إلى العلماء المتخصصين في علوم الحديث والتفسير للحصول على فهم دقيق ومتوازن يحترم أصول الدين ويحافظ على جوهره.
في سياق البحث عن الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية التي تتحدث عن رفع الأعمال إلى الله، من المهم التفريق بين ما ورد في القرآن الكريم وما ورد في السنة النبوية. فالقرآن الكريم لم يذكر صراحةً عملية رفع الأعمال في شهر شعبان بالتحديد، ولكنه أكد على علم الله بكل شيء وإحاطته بكل الأعمال في أي وقت.
من جهة أخرى، هناك أحاديث نبوية صحيحة تتحدث عن فضائل شهر شعبان وأن الأعمال ترفع إلى الله في هذا الشهر، من بين هذه الأحاديث ما رواه الإمام النووي في “الأذكار” عن أُسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلتُ: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم في شعبان. قال: “ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم”.
أضاف أنه يجب التأكيد على أهمية فهم هذه الأحاديث في سياقها الصحيح وعدم جعلها تتناقض مع مفهوم الإيمان بعلم الله الأزلي والشامل لكل شيء. الله عز وجل لا يحتاج إلى مواعيد محددة لمعرفة أعمال العباد، ولكن هذه الأوقات المحددة لرفع الأعمال قد تكون لحكمة إلهية تتعلق بالتذكير والحث على العبادة والطاعة.
كما أشار الي ان التوفيق بين الأحاديث النبوية والآيات القرآنية يتطلب فهمًا دقيقًا لكل من النصوص الشرعية والأهداف العامة للشريعة الإسلامية. يجب على المسلم أن يتبع ما أنزل إليه من ربه، معتبرًا القرآن الكريم مصدر الهداية الأول، والأحاديث النبوية تفسيرًا وتوضيحًا لتلك الهداية، مع الحرص على التثبت من صحة الأحاديث وفهمها في إطار الشريعة الإسلامية ككل.
واختتم مدرس الفلسفة الإسلامية بجامعة بغداد
حواره ” يعتبر التحقيق والفهم العميق للنصوص الدينية جزءًا لا يتجزأ من عملية الإيمان، حيث يجب على المسلم أن يسعى دائمًا للفهم الصحيح والتطبيق الواعي لتعاليم دينه، مع الاستعانة بالعلماء والمفسرين الموثوقين للحصول على تفسيرات صحيحة ومتوازنة”.
وتساءل المفكر العربى علي محمد الشرفاء فى مقاله ، هل يوجد نص في الذكر الحكيم بلغه الرسول عليه السلام للناس بأن جميع أعمالهم ترفع في شهر شعبان؟، ألا تعتبر هذه الرواية إفتراء على الله ورسوله؟، والله يخاطب الناس بقوله: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۚ وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) سبأ (٢).
فهل من المنطق أن يؤمن المسلم برواية كاذبة تتناقض مع قدرة الله على علمه بكل حركة في الأرض والسماء وكل عمل يعمله الإنسان قبل القيام به يعلمه الله سبحانه في كل ثانية، فهل يحتاج الخالق العظيم ليحدد يوماً تُرفع فيه أعمال الناس وهو يعلمها مسبقا، دون الحاجة لمن يكلف برفعها اليه سبحانه جل وعلا، ألم يقل سبحانه؛
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)
فمن كان بذلك القرب للإنسان فهل يحتاج لمن يسجل أعمال الإنسان ويرفعها اليه سبحانه؟ .
ويستكمل الشرفاء، فليتوقف المتآمرون على رسالة الله للناس وليُحكِموا بينهم آياته التي تخرجهم من الظلمات إلى النور، وهل أعظم من الإفادة من أن نتبع كتاب الله كما أمر في قوله سبحانه :
(اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) الأعراف (٣).
وسرد المفكر العربي على محمد الشرفاء بعض الآيات القرآنية التى تدحض كل فكر مريض وتُبطل كل رواية مزورة على الرسول، والله لم يكلف رسوله عليه السلام أكثر من أن يبلغ الناس آيات الذكر الحكيم ويتلوها عليهم ويعلمهم مقاصدها وحكمة الله فيها، لما يحقق للإنسان حياة طيبة مطمئنة في الدنيا ويفوز يوم القيامة بجنات النعيم، مؤكدا أن الآيات التاليه تنفي تماما ما تم تزويره على الرسول عليه السلام بأن أعمال الناس تُرفع لله في شهر شعبان:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق (١٦/١٧/١٨) .
وقول الله سبحانه :(وَإِنَّ عَلَیۡكُمۡ لَحَـٰفِظِینَ كِرَاما كَـٰتِبِینَ یَعۡلَمُونَ مَا تَفۡعَلُونَ) الانفطار (١٠/١١/١٢).
وكثير من الآيات التي تنفي المزاعم الكاذبة على الرسول عليه السلام بما نُسب اليه من أقوال مزورة أنه قال ( ترفع أعمال الناس في شعبان )
فالآيات السابقة تؤكد أن الله سبحانه لا يحتاج لمن يرفع أعمال الناس في أي يوم، ولا يعلم الرُسل أو الأنبياء أو شيوخ الدين الكيفية في تسجيل أعمال الإنسان ليُحاسب عليها يوم القيامة حينما يُخرج الله كتابا يلقاه منشورا فيه سجل حياته ومُجمل أعماله منذ ولادته حتى وفاته، ولايعلم الغيب إلا الله. لذلك تفاديا عن اللغط والخلط بين الحق والباطل يجب أن يتم عرض كل المنقول من روايات على كتاب الله ليكون هو الحكم النهائي على بطلان كل الروايات دون استثناء اتفاقا مع التكليف الالهي لرسوله في قوله سبحانه ؛
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة (٦٧) .
ذلك الأمر الالهى للرسول عليه الصلاة والسلام بأن يُبلغ ما أنزله الله عليه من آيات القرآن الكريم تلاوة وشرحا لمقاصد الآيات وحكمة الله فيها لمنفعة الإنسان فقط، ولم يصرح للرسول أن يؤلف أقوالا من عنده تتعلق برسالة الإسلام لتنافس آيات الذكر الحكيم كما حدث منذ أربعة عشر قرنا حينما طغت الروايات على الآيات وضاعت الرسالة واختلف المسلمون وتقاتلوا، وانتشرت الفتن، بالرغم أن الله سبحانه خاطب الناس جميعا بقوله ؛
(وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) الانعام (٣٨).