نستعرض اليوم كتاب ” الشيطان يحكم” للدكتور مصطفى محمود د، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات المثيرة والتي تناقش قضايا مجتمعية متنوعة غاية في الأهمية وعلى الرغم ان الكتاب صدر من عشرات السنوات الا انه مازال ينطبق علي عصرنا الواقع هذا وقد اتفق الكتاب بشكل كبير مع رؤي المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في عدد من الرؤي الخاصة بالإعلام والمؤامرة التي تحاك ضد الوطن العربي لما يمتلكه من ثروات خاصة ما يتعلق بالنفط حيث أشار الكاتب الكبير مصطفي محمود الي الاعلام ودورة في نشر الإباحية بهدف هدم المجتمع العربي وهو ما ناقشه أيضا المفكر العربي علي الشرفاء في كتاب الطلاق يهدد امن المجتمع حيت أشار الي ان الاسرة تتعرض للانهيار نتيجة ما تشاهده أيضا في التلفاز من دعوات تحرض علي الفجور كما اتفق المفكر علي الشرفاء مع الكاتب مصطفي محمود في مقاله الثاني بالكتاب والذي جاء بعنوان الشئ التافه والذي اكد فيه الشرفاء ومحمود علي ان الاعلام اصبح ينشر السلبيات ويترك الإيجابيات يركز علي الأمور التافهة ويترك الأمور الهامة وهو ما ادي الي احتقان بين جموع الشعب العربي
وقد تناول الكاتب في كتابه ما يقارب أربعين مقالا عن موضوعات غاية في الأهمية في مختلف الجوانب الحياتية والتي غالبا تغافلنا وغيّبت عقولنا عنها، و سأناقش فقط اثنا عشر مقالا من هذه المقالات:
أولا: هل يسير العالم إلى دعارة؟
هنا ابتدأ الكاتب كتابه بمقال غاية في الأهمية يستوجب منا وقفة فهو هنا ناقش موضوع الإباحية التي بات لا يخلو فيلما سينمائيا ولا مسلسلا منها، ويطرح الكاتب تساؤلا ، هل ترى ذلك من داعي الصدفة أم أنّ الامر مدبّر ومخطط له؟ نعم يا عزيزي إنها ليست سوى مؤامرة مدبّرة من جهات معينة لإسقاطك بل لإسقاطنا جميعا في الوحل، انهم يعملون بكل ما لديهم من قوة لتثبيط عزيمتك وإيمانك بنفسك من خلال اشغالك ببضع مشاهد فاسدة لجعلك انسان بلا قيمة ولا هدف غارق في مستنقع من الوحل، فلا تركن وكن يقظا
ثانيا: الشيء التافه
وهنا يوجه الكاتب عباراته لكل شخص يستهين بأي أمر من أمور الحياة ويعتبرها شيء تافه ،فالعفن ليس شيئا تافها والكيميائي الذي الذي يترك كل شيء ويكتب بحثا في العفن إياك أن تصفه بالجنون فمن العفن استخرج هذا الكيميائي الذي تعده تافها البنسلين، “إنني لا أبالغ إنقلت أنّ معظمنا يستهين بأمور من تلك ويحاول استصغارها متى ما أتيحت له الفرصة ” على حد ّ قوله ،لذلك لطفا لا تقل على أي أحد إنه تافه ، واحترم كل شيء مهما صغر شأنه ، الطفل ، الحشرة ،عامل الطريق ،جرسون المقهى والقائمة تطول ،فالله وحده يعلم من في الغد ستكون القوة في يده.
ثالثا:الوقوع في الفخ
كان لا بد لي من وقفة احترام لهذا الكاتب على طرحه فكرة وموضوعا أكثر من رائع وأعتبره غاية في الأهمية وهو الحذر من الوقوع في فخ المظاهر والشكل الخارجي والأمور السطحية ،كالجمال الذي سيفنى والمال الذي ينفذ في لمح البصر والابتسامات السطحية التي تخفي الشرور والخبث ،علينا أن ننظر إلى دواخل الأشخاص وقلوبهم وأن نتصفح نقاء وصفاء سريرتهم قبل الاهتمام بمظهرهم من الخارج،فكما قال الكاتب:”أيّ قيمة لوجه جميل وطبع قاسي خوّان مروغ خبيث” ،فالجمال الحقيقي يا عزيزي هو جمال الشخصية وحلاوة السجايا وطهارة الروح ،كما ركّز هنا على الجانب النسوي، حيث أسدى نصيحة للشباب أنّه من أراد أن يحظى بإمراة رائعة عليه أن لا ينظر إليها بعينيه وإنما ينظر إليها بعقله ليرى ماذا يختفي وراء الديكور.
رابعا:أحبّوا أنفسكم
ليس بالأمر الجديد علينا مدى أهمية الذات والاعتناء بها وحب النفس الذي يرفع من شأن صاحبه ويوصله لأسمى مراحل السلام الداخلي ، إنّ انسجامنا مع ذواتنا تماما كانسجام الكون مع ذاته يخلق توازنا رائعا وهدوءا وطمأنينة ،وهنا يقول الكاتب “تلك الهدنة التي تنعقد بين الإنسان ونفسه هي النبع الذي تتدفق منه المحبة لتحتضن الآخرين وتعانق الحياة” ،إذا القاعدة غاية في البساطة يا عزيزي حبك لغيرك نابع من حبك لنفسك واعتناءك بها، لكن لا تنسى أنّ اللقاء مع النفس شاقّ وتمام الوفاق مع النفس أشقّ وأصعب لكنّ الأمر يستحق المحاولة .
خامسا:لماذا الملل؟
سأكتفي هنا بما طرح الكاتب أننا أصبحنا نضيق ذرعا بكل شيء سريعا ،فعلى حد تعبيره أنّ حضارة اليوم طابعها الملل ،فالنقود تثيرك طالما هي في جيب غيرك فإذا دخلت جيبك فقدت جاذبيتها ،الشهادة حلمك وغايتك وأملك حتى تحصل عليها فتنسى أمرها تماما والوظيفة هدف برّاق حتى تنالها فتتحول إلى عبء ثقيل ،لماذا كل هذا الملل اذا ؟! ببساطة لأننا في عصر إفلاس القيم ، والملل أيها القارىء الواعي ما هو الا علامة للعودة إلى الإيمان بالقيم السامية الخالدة وأنّ هناك حقيقة خلف عالم الظواهر والأوهام.
سادسا:من أين تنبع السعادة؟
عزبزي القارىء ،إن كنت تنتظر أن أخبرك بأنّ السعادة تنبع من حصولك على المال وتحقيق أهدافك فلست أسفة أنني حطمت أمالك ، فالسعادة نابعة من ضميرك المرتاح، من علاقتك المتينة مع ربك والوطيدة مع ذاتك ،السعادة شعور داخلي لم و لن تأتي من مصدر خارجي ،السعادة شعور دينيّ وليس ماديّ ،فهي تنبثق من إحساسك أنّك لست وحدك وأنّ الله وعنايته الإلهية معك .
سابعا:السلطان الحقيقي
إنّ المعنى الحقيقي للسلطنة والسيادة هي أن تكون سيدا على ذاتك قبل أن تسود غيرك ، أي أن تتحرر من شهواتك ونزواتك وتخضع قلبك لأوامر عقلك ، فالملكية الحقيقية ألاّ يملكك أحد و ألاّ تستولي عليك رغبة أو تسوقك نزوة ، إذا الدّفة بين يديك أنت القبطان هنا وأنت صاحب القرار في وجهتك فاختر لنفسك وجة تليق بك كإنسان .
ثامنا :حينما يصبح للمرأة ذيل
وهذا المقال أعتبره شخصيا من أهم المقالات التي وجب تسليط الضوء عليها ،وأخص هنا فئة الجنس اللطيف ” الإناث” ،تحدّث الكاتب عن كذبة الموضة التي غرقنا بها جميعا حتى النخاع ،فهذا الفستان انتهت موضته وذاك الحذاء بات لا يلائم العصر وطلاء الأظافر هذا أصبح قديما وجب شراء غيره ،وغيرها الكثير من الترّهات التي أصبحنا ننساق وراءها دون وعي وهذا ما فعلته بنا شركات الترويج الخادعة ،وهنا أصدق الكاتب قولا بأنّ أكثر الموضات لا هدف لها سوى الاحتفاء بالغرائز وإثارة أشواقها ،إذا هي مؤامرة على الحواس لإيقاعها في حبال الغريزة.
تاسعا:التدليك العاطفي
أثار فضولي عنوان هذا المقال حينما تفحصت فهرس الكتاب ،فقلما نجد كاتبا يكتب عن الحب النقيّ الصافي ،الحب الخالي من الشهوات والغرائز الحيوانية ،الحب الذي يحمل المشاعر الانسانية السامية والرفيعة قبل كل شيء،ومن أصدق العبارات التي أودعها الرائع مصطفى محمود في مقاله هذا هي”الحب الحقيقيّ هو قطعا شيء آخر غير ما نرى في السينما ،فما تصوره لنا الأفلام ما هو إلاّ أساليب إغراء جنسي ، وما أبعد الجنس عن الحب”.
عاشرا :أنت امبراطور
في هذا المقال سلّط الكاتب الضوء على أمر غاية في الأهمية وهو مقارنة بين إمكانيات الماضي الحاضر ،فهو يخبرنا أننا اليوم ملوك بما نملكه من إمكانيات لم تكن متوفرة في الزمن القديم ،كسبل الحياة الترفيهية و القدرات والإمكانيات التي نمتلكها وغيرها الكثير ،لكن وعلى الرغم من ذلك إلاّ أنّ الطمع فطرة هذا البشري الذي يترك كل ما بين يديه من نعم وينظر الى ما في أيدي الآخرين ،فنحن بذلك نسرق بعضنا ونقتل بعضنا البعض دون أن نتلذذ بما نمتلكه ،نعم يا عزيزي “فنحن تقدمنا كمدينة وتأخرنا كحضارة” على حد تعبير الكاتب ،فالإنسان ارتقى في معيشته وتخلّف في محبّته.
إحدى عشر:الواقع الكاذب
نحن دائما ندّعي أننا نعرف ذواتنا جيّدا ،لكننا في الواقع جميعنا كاذبون حتى علماء النفس لم يستطيعوا معرفة ماهية النفس ودواخلها وكل ما هم بصدده محض افتراضات وتخمينات ،فلو أدركنا جهلنا لانفتحت أبواب الرحمة والحب في قلوبنا ، ولأصبحت الحياة على الأرض جديرة بأن نحياها ،فمتى نعرف أننا لا نعرف ؟!
اثنا عشر:مخيّر أم مسيّر
أنهي مراجعتي بواحد من أجمل المقالات ،أنت أيها القارىء العزيز اعلم أنّك في هذه الدنيا مخيرا ومسيرا في آن واحد، فأنت حينما خرجت لهذه الحياة من بطن أمك كنت مسيرا لا حيلة لك وكذك عنما ستموت فأنت مسيرا ما بيدك حيلة ،ولكن ما بين محياك ومماتك أنت مخيرا فيما تفعل وأي الطرق تختار ،فالله عزّوجل أعطاك القدرة أن تبني وتهدم ،أن تفكر وتبدع وسلّمك مقاليد الخير والشر ، لذا اختر لنفسك طريقا يجعل لحياتك وموتك معنا وقيمة .
ختاما ،إنّه لمن الرائع أن نجد كاتبا عربيا مخضرما يكتب الحقيقة وليس سواها ،هذا الكتاب كان بمثابة شعاع نور وبصيص أمل لي لإنارة دربي ،وكما قلت في المقدمة فإنني تناولت فقط اثني عشر مقالا من أصل أربعين وذلك تجنبا للأطالة والتكرارات التي قد تحدث ، الكتاب رائع ويحمل موضوعات شيّقة تستحق القراءة ، ومن قرأه بالتأكيد سيعود لقراءته مرارا وتكرار ، لما يحمله من أهداف ورسائل سامية لنا كأفراد وكذلك لمجتمعاتنا العربية التي تحتاج صحوة ونهضة كبيرة .