نستعرض معكم دراسة بعنوان “التفسير الضال: دراسة في تحريف النصوص الدينية وتأثيره على العقائد والتصرفات”، لمحمد بن عبدالله الزهراني، والتي نشرت بمجلة الدراسات إسلامية في العام 2018 حيث تري الدراسة ان الأحاديث المنسوبة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم تعدُّ جزءًا أساسيًا من التراث الديني في الإسلام، وهي تحتل مكانة مهمة في توجيه المسلمين نحو العقائد والأخلاق والتصرفات الصالحة. ومع ذلك، قد يتم استغلال هذه الأحاديث من قِبل بعض الفراد والجماعات المتطرفة والإرهابية لتبرير وتشجيع أعمال العنف والإرهاب. تتفق الدراسة مع ما حذر منه المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في كتابه المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي.. حيث قال ان الله سبحانه وتعالي حذر من أعداء الرسالة السماوية .. وانهم سينشرون إشاعات وروايات ملفقة عن القرآن .. لتكون لكتبهم الغلبة علي كتاب الله .. وأستشهد الحمادي بقوله تعالي في محكم تنزيله : ” وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا القرآن وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ” صدق الله العظيم .
وتوضح الدراسة الي ان هؤلاء الإرهابيين يسعوا لتفسير هذه الأحاديث بطرق تنحرف عن السياق الشرعي والثقافي والاجتماعي للإسلام، وبالتالي يعمدون إلى استخدامها لتحفيز الفراد على القيام بأعمال عنيفة تستهدف الأبرياء والمجتمعات بشكل عام. تنتمي هذه الأحاديث المنحرفة إلى ما يُعرف بالتفسير الضال، حيث يُحرّف معنى النصوص الدينية ليناسب أجنداتهم الخاصة.
واشارت الدراسة الي ان أثر هذه الظاهرة يعود إلى عدة عوامل، منها التربية والتعليم المشوهين، والانعزال الفكري، والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تجعل الأفراد عُرضة للتأثر بالأفكار المتطرفة. تسعى هذه الجماعات للتحكم في العقليات والعواطف وتشويه صورة الدين من خلال تجاوز السياق والفهم الصحيح للأحاديث.
دراسة التفسير الضال:
” الإرهابيين يستخدمون تأويل الاحاديث لتحقيق رغباتهم”
وتشير الدراسة الي ان موضوع الاحاديث المنسوبة الي النبي تعد موضوع محوري ومعقد، وقد اكدت الدراسة ان هذا الامر يتطلب تناوله بعناية وتوازن موضحة انه من المهم فهم السياق التاريخي والاجتماعي للأحاديث والنصوص المنسوبة إلى النبي التي ربما يكون بعض هذه الأحاديث قديمة وتمت معالجتها بشكل مختلف في مجتمعات مختلفة عبر التاريخ.
أيضا تشير الدراسة الي ان بعض الأحاديث قد يتم تفسيرها بطرق متعددة، والتأويل الخاطئ أو الانحراف عن السياق يمكن أن يؤدي إلى فهم مغاير للمعاني الحقيقية هذا بالإضافة أن بعض الجماعات المتطرفة تستغل النصوص الدينية لتبرير أعمالها العنيفة والإرهابية من خلال تحريف النصوص واستخدامها بطرق خاطئة يمكن أن يؤدي إلى تشويه الدين وزعزعة استقرار المجتمعات.
وتوضح الدراسة ان العوامل الثقافية والاجتماعية يمكن أن تؤثر على كيفية استيعاب الأفراد للأحاديث المنسوبة إلى النبي. فالتفاعل مع هذه الأحاديث يتم في إطار تجارب حياتية وثقافية متنوعة.
في النهاية تشير الدراسة الي انه، يجب النظر إلى هذا الموضوع بشكل شامل ومتوازن، مع التركيز على التعليم الصحيح والتوجيه للمسلمين، بالإضافة إلى محاربة التحريف والاستغلال السياسي للنصوص الدينية.
وفي بابها الثاني اكد الباحث ان استخدام الإرهابيين للأحاديث المنسوبة إلى النبي محمد في عمليات القتل والإرهاب يعتبر جزءًا من استراتيجياتهم لتبرير أفعالهم العنيفة وجذب مؤيدين لقضيتهم. هذا الأمر يمتد إلى مختلف الأديان والثقافات حيث تُستخدم النصوص الدينية بطرق متنوعة لتبرير العنف.
وقد اكدت الدراسة ان استخدام الأحاديث المنسوبة إلى النبي يمكن أن يؤثر على العقائد والعواطف لدى الأفراد المتشددين. إذا تم تفسير هذه الأحاديث بشكل مغلوط أو منحرف عن السياق الصحيح، يمكن أن يترتب عنه إقناع الأفراد بأنهم يقومون بواجب ديني عندما يشاركون في الأعمال العنيفة.
كما اشارت الدراسة الي ان الإرهابيون يستخدمون تفسيرات منحرفة للأحاديث لتشجيع المؤيدين على الانضمام إلى سلوكياتهم العنيفة. هذا التحريض يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الشعور بالواجب الديني والتفاني في قضيتهم، مما يزيد من انخراط الأفراد في أنشطة إرهابية.
موكدة علي ان استخدام الأحاديث المنسوبة إلى النبي يمكن أن يساهم في تشكيل هوية جماعية للمجموعات المتطرفة. يروج الإرهابيون لفكرة أنهم يمثلون النصوص والتعاليم الصحيحة، وبالتالي يتسببون في تقويض الأصول التعليمية السليمة والفهم المتوازن للدين.
وقد أفادت الدراسة الي انه قد تجذب استخدام الأحاديث المنسوبة إلى النبي الأفراد الباحثين عن هوية وغرض ديني. يُمكن أن يشعر هؤلاء الأفراد بالانتماء والالتزام عندما يرون أن هذه الأحاديث تُستخدم لتبرير أعمال العنف كما تُستخدم الأحاديث المنسوبة إلى النبي أحيانًا لتبرير فكرة التضحية من أجل القضية. يُعرض الإرهابيون أنفسهم ومؤيديهم كأبطال دينيين يتبعون مثل الأنبياء والصحابة في الإيمان بالأهداف العليا.
وقد اشارت الدراسة الي ان الأحاديث المنسوبة إلى النبي تُستخدم أحيانًا كوسيلة لجذب الانتباه الإعلامي والتأثير على الرأي العام. يمكن أن يخلق هذا النوع من الاستخدام توترًا إضافيًا وتعميقًا للانقسامات الاجتماعية.
من المهم أن نفهم أن هذه الأحاديث ليست المشكلة الأساسية، بل هي الفهم المغلوط والتحريف الذي يتم عليها. التركيز يجب أن يكون على تصحيح الفهم وتقديم تفسيرات دقيقة ومتوازنة للنصوص الدينية، إلى جانب تعزيز الوعي بأن الإرهابيين يستغلون هذه النصوص لأغراضهم الخبيثة.
وأوضحت الدراسة بعض الاحاديث يستخدمها الارهابيون والتي من شأنها زعزعة امن المواطنين ومنها استخدام الأحاديث للتحريض على القتال مثل الاستشهاد بأحاديث مثال: “من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً”، حيث يمكن استخدام مثل هذه الأحاديث لتحفيز المهاجمين الانتحاريين بأنهم سيصبحون شهداء ويحظون بثواب الجنة.
واختتمت الدراسة بضرورة ان العمل علي نشر ثقافة التواصل المفتوح والحوار بين مختلف الفهميات الدينية والفكرية كوسيلة هامة لتبادل الآراء والفهم المشترك من خلال مناقشات بنّاءة ومتواصلة، يمكن تصحيح الاستفهامات وتبادل وجهات النظر.
وطالبت الدراسة وسائل الإعلام ان تلعب دورًا كبيرًا في نقل المعلومات وتشكيل الرأي العام. فمن المهم أن تقدم وسائل الإعلام تغطية متوازنة ودقيقة لمثل هذه المواضيع دون تحريف أو تضخيم.
أيضا اشارت الدراسة الي ضرورة التصدي للإرهاب والتطرف، من خلال اتباع نهج شامل يتضمن عوامل اقتصادية واجتماعية وتعليمية ودينية. كما اشارت الي انه يجب أن تعمل المؤسسات والحكومات والمجتمع المدني معًا لمحاربة الفقر والجهل وتوفير فرص مستدامة للشباب.