قال الباحث في العلوم الشرعية احمد الإبزاري امام وخطيب مسجد سادات قريش بلبيس، أن مقال المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي بعنوان “لماذا تاه المسلمون” أثار نقاطًا هامة تستحق النقاش، مؤكدا أن تشتت المسلمين ليست قضية حديثة العهد، بل هى نتيجة لتراكمات تاريخية وسياسية واجتماعية ودينية معقدة.
وأضاف الإبزاري “يجب أن ننظر إلى هذه القضية من منظور شامل يأخذ في الاعتبار جميع العوامل المؤثرة، وليست الجوانب الدينية والفكرية فقط، وأرى أن هناك حاجة ماسة لتناول الأبعاد الأخرى مثل الاقتصاد والتعليم والسياسة”.
وتابع ” تشتت المسلمين يعود بجزء كبير منه إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العديد من الدول الإسلامية، خاصة أن الفقر والبطالة وسوء الإدارة من العوامل التي تساهم بشكل كبير في تفاقم الأوضاع”.
وأضاف الإبزاري أن التعليم يلعب دورًا حاسمًا في تحديد مصير الأمم، وللأسف، تعاني العديد من الدول الإسلامية من نظم تعليمية تقليدية تفتقر إلى الابتكار والتجديد، مشيرا الى أن التعليم الذي يعتمد على الحفظ والتلقين دون تنمية الفكر النقدي والإبداعي يساهم في تكريس حالة الجمود والتخلف، بالإضافة إلى ذلك، لا يمكننا تجاهل دور الثقافة والإعلام في تشكيل الوعي الجماعي، فالإعلام الذي يركز على الخلافات والصراعات بدلاً من تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية والبناءة، يساهم في تعميق الفجوة بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين العالم.
ويعتقد الباحث في العلوم الشرعية أن من أهم الأسباب التي أدت إلى تشتت المسلمين هو غياب الوحدة والتعاون بين الدول الإسلامية، فالتنافس والصراعات الداخلية أضعفت الجبهة الإسلامية وأتاحت الفرصة للقوى الخارجية للتدخل واستغلال الأوضاع لصالحها، مشيرا الى أن الوحدة والتضامن بين المسلمين هو السبيل الوحيد لمواجهة التحديات وتحقيق التقدم.
من جانب آخر، قال الإبزاري “لا يمكننا تجاهل دور الدين في حياة المسلمين، فالإسلام كدين يحتوي على قيم ومبادئ سامية يجب أن تكون هي الأساس الذي نبني عليه حياتنا، لكن للأسف، هناك سوء فهم وتفسير خاطئ لبعض النصوص الدينية مما يؤدي إلى انتشار الأفكار المتطرفة والعنف، ويجب أن نعمل على تعزيز الفهم الصحيح للإسلام وتعاليمه السمحة التي تدعو إلى السلام والعدل والتسامح.
وأشار الإبزاري الى أن الحلول ليست سهلة ولا يمكن تحقيقها بين عشية وضحاها لكن الأمل يكمن في الجهود المشتركة والعمل الجاد لإحداث التغيير مع ضرورة أن يكون هناك حوارا مفتوحا ومستمرا بين جميع الأطراف المعنية للوصول إلى فهم مشترك وتقديم حلول عملية وواقعية.
وفي ظل التحديات المعاصرة التي يواجها المسلمون، أوضح الإبزاري انه من المهم أن نركز على بناء جسور التواصل والتفاهم بين مختلف الطوائف والمذاهب، مشيرا الى أن التنوع في الآراء والمعتقدات يمكن أن يكون مصدر قوة إذا تم التعامل معه بحكمة وتفاهم.
وأضاف امام مسجد سادة قريش انه يجب أن نعمل على تعزيز ثقافة الحوار واحترام الآخر بدلاً من التفرقة والتعصب، لا يمكننا تحقيق التقدم والنهضة دون أن نتعلم كيف نعيش معًا بسلام ووئام، مؤكدا انه علاوة على ما سبق، لا بد من تعزيز دور الشباب في عملية التغيير، مشيرا الى أن الشباب هم عماد المستقبل ويجب أن يتم تزويدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة ليكونوا قادة فاعلين في مجتمعاتهم، فالتعليم الجيد وفرص العمل العادلة والتوجيه السليم يمكن أن يسهم بشكل كبير في تمكين الشباب وتحفيزهم على المشاركة الفعالة في بناء مستقبل أفضل.
وأوضوح الإبزاري انه يجب علينا التركيز على حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية كجزء لا يتجزأ من أي عملية إصلاحية، مؤكدا أن الظلم والفساد والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان تخلق بيئة من اليأس والإحباط، وتدفع بالأفراد نحو التطرف والعنف، حيث يرى أن العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان هي الأساس الذي يمكن أن نبني عليه مجتمعات مزدهرة ومستقرة.
وأكد باحث العلوم الشرعية أن تحقيق التغيير الإيجابي يتطلب إرادة قوية وجهودًا مستمرة من جميع الأطراف قائلا “لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض دون تعاون وتضافر الجهود، وعلينا أن نعمل جميعًا بروح الفريق والتعاون لتحقيق مستقبل أفضل لنا ولأجيالنا القادمة، مشيرا الى أن الرد على تساؤلات “لماذا تاه المسلمون” يجب أن يكون بالعمل الجاد والمتواصل نحو بناء مستقبل يتسم بالعدل والسلام والازدهار.
في الختام، أكد الإبزاري على أهمية النقد البناء والحوار المفتوح كوسيلة للوصول إلى حلول حقيقية ومستدام.