يهدف تجديد الخطاب الديني إلى تحديث وتطوير الرسالة الدينية والطريقة التي يتم من خلالها تقديمها للناس، ويتعلق هذا التجديد بالديانات المختلفة ويهدف إلى جعل الرسالة الدينية تواكب التحديات والتغيرات الاجتماعية والثقافية والتكنولوجية في العالم الحديث.
وحول تجديد الخطاب الديني أجرى «رسالة السلام» حوارا مع عيسى الشارقي رئيس جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية بالبحرين.
فى البداية استشهد عيسى الشارقي بقول الله تعالى: “ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها”. وهذا النص يعكس فكرة أن نسخ الشرائع وإنساء الآيات يتجددان استنادًا إلى حاجة تغيّر الواقع. وفي ضوء هذا، تتغير الاحتياجات ومن ثم تتغير الطرق والحلول المقدمة. لو لم تكن هذه الحاجة موجودة، لما حدث نسخ الأحكام وإنساء الآيات.
يُمكن العثور على أمثلة عملية عديدة على هذا في الحياة اليومية وفي تفسير القرآن الكريم. هناك آيات كثيرة يتم تلاوتها اليوم، ولكن تم استيعابها بطرق مختلفة مما كانت عليه عندما نزلت. لذا، لم يعد هناك حاجة ملحة للتذكير بالسياق الأصلي لهذه الآيات، كما هو الحال مع آية “ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى” أو “لا تأتوا البيوت من ظهورها” أو “إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم”.
جميع هذه المعاني الأصلية للآيات وأمثلة أخرى قد دخلت الآن ضمن سياق التجديد. وهذا التجديد هو ما دفع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إلى التحدث بشكل متزايد حول استدامة القرآن وتجديد معانيه، مما يؤكد أن الآية لا تموت مع موت معانيها الأولية. لو كانت الأمور كما في أذهان الناس، لمات القرآن بتغيّر الزمن، ولكن الحقيقة أن آيات القرآن مازالت حية وتتجدد بمرور الزمن.
هذا يظهر أهمية التطور والتجديد في الفهم الديني والاعتماد على العلم والتقدم التكنولوجي. يجب على الأمة أن تتعامل مع هذا التحدي وتقبله كواجب تاريخي للحفاظ على روح الابتكار والتقدم في مسارها.
وهكذا نستشف عظمة التحديات التي تواجه هذه الأمة وضرورة التجديد. إنها لا تزال تميل إلى الاحتفاظ بفهم الأجداد للقرآن، وتستمر في استخدام الأساليب والأسس العلمية القديمة المتبعة من قبل السلف في التعامل مع الكتاب والسنة، حتى في الأمور الواضحة التي لا تتطلب تدقيقاً كبيرًا. فما زالت آليات إثبات القبلة وإثبات رؤية الهلال وإثبات الديات والأوزان والتعامل مع الدم النجس هي أساليب تعود إلى القرن الثالث الهجري، ولا يزال منطق أرسطو الذي وضعه قبل ألفي عام هو المنهج الذي يُعتبر مرجعاً في التفكير.
هذه الأمة تعيش في مستوى حفاظها على التقاليد والقيم الدينية وما زالت تعيش في القرن الرابع الهجري، دون أن يؤثر فيها تقدم العلم والتطورات الحديثة في العالم. والمشكلة هي أن هذه الفئات المحافظة لا تزال تشكل الرأي الديني للأمة وتستخدم الفتاوى القديمة والعقائد القديمة. وهي ما زالت تقاوم أي فكر جديد يحاول تجديد العقل العربي والإسلامي ومواكبة التقدم الحديث في زماننا.
إذا، فلنأخذ مثالًا من الماضي، عندما اكتشف القدماء أن النصوص الدينية لا تلبي احتياجاتهم بالكامل، لجأوا إلى وسائل أخرى مثل القياس والاستحسان والإجماع والمصالح المرسلة واستخدموا العقل. ولكن اليوم، يتجنب معظم متبعي السلف هذه الأساليب العلمية الحديثة كأدوات للفهم والتشريع الديني، ولا يعتبرونها حجة شرعية، على الرغم من أنها تعتمد بشكل أكبر على العقل وتوفر أدلة دقيقة. هذا يشكل تحديًا لهذه الأمة في التبعية العمياء للتقاليد والتقديس.
تظهر أهمية التفكير والتدبر في معاني القرآن بوضوح، إذ يمكن للأمة استكشاف هذه المعاني كلما نضجت عقولها وتقدمت في الفهم. وبفضل هذا النهج، يمكن للقرآن الكريم أن يظل ملائمًا لجميع العصور والتغيرات، ولا يمكن لأي تحدي أن يزيحه عن مكانه. هذا يمثل الجانب المعجز للقرآن، حيث يكون مفتوحًا للتجديد والتفسير على مر العصور.
من هنا، يُعلمنا هذا التفكير العميق بأهمية التحديث والتجديد في فهم الدين والقرآن. فالأمة لا تزال تعاني من مشكلة التمسك بفهم الأجداد للقرآن واستخدام الأساليب العلمية القديمة التي تمارسها السلف في التعامل مع الكتاب والسنة. حتى في الأمور الواضحة التي لا تحتاج إلى تدقيق كبير، لا زالت الأمة تلجأ إلى الأساليب والآليات القديمة مثل إثبات القبلة وإثبات رؤية الهلال وإثبات الديات والأوزان وكيفية التعامل مع الدم النجس. ومن الملفت أن الأمة لا تزال تعيش في القرن الرابع الهجري، بينما تجدث تطورات كبيرة في العالم، وهذه الفئات المحافظة لا تزال هي التي تمتلك تأثيرًا كبيرًا في الشأن الديني، وتستمر في محاربة أي تفكير جديد يحاول تجديد الفهم الإسلامي والعربي بما يتوافق مع التقدم والتطورات الحديثة.
يُظهر هذا التفكير كذلك أن الأمة تحتاج إلى الأفراد الذين يتجاوزون النصوص القديمة ويعيدون تفجير المعاني الكامنة في القرآن بمرونة واستنارة.