اتفقت دراسة منشورة للدكتورة غادة جابر الباحثة في العلوم السياسية حول قضية أن من يملك القوة يملك الحق مع مقال المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي ” القوة تفرض الحق” حيث قال الشرفاء في مقاله “ من يملك القوة يملك الحق، وهذه القاعدة هي المتعامل بها في الحياة الدنيا منذ خلق آدم، وإذا استرجعنا قراءة التاريخ سنجد أن من ملك القوة فرض الحق بغض النظر إن كان حقًا أو باطلًا، وعلى صاحب الحق أن يتقصى بداية الجريمة التي ارتكبت في حقه حتى يستطيع أن يعد لاسترجاع حقه الإعداد المطلوب من تقوية أواصر أبنائه وتعزيز إيمانهم بحقهم، وسد كل الثغرات التي تفرقهم وتضعف قوتهم”
وهو ما اتفقت معه الدراسة حيث تسائلت الدراسة إذا كان معنى العدالة الاجتماعية أن يأخذ كل ذي حق حقه، فعلى أي أساس يتم تحديد الحقوق و توزيعها؟ فيرى ستينار أن الحقوق توزع على أساس القوة و السؤال الذي يفرض نفسه هنا : هل يمكن فعلا أن تكون القوة معيارا لقياس الحق ؟
والمتعارف عليه أن القوة التي نعني بها العنف مقياس غير ثابت و غير أخلاقي، فكيف يمكن للقوة كوسيلة غير أخلاقية أن تساهم في إقامة العدالة و توزيع الحقوق ؟
منذ أن دأب الإنسان يعيش مع غيره من الأفراد كعناصر مجتمعية و هو يدرك أن المجتمع لا يستقيم بدون قانون يحدد حقوق وواجبات كل واحد، غير أن الإنسان واجه مشكلة توزيع الحقوق و كان عليه أن يحدد المقياس الذي يقيس به الشيء لكي يعرف هل هو حق أم لا ؟
واضافة الدراسة ان ماكس ستينار يعبر في قوله الطبيعة ميزتهم عن الضعفاء و هو المنطق الذي يعمل به الإنسان الذي يحب السيطرة و تسيطر عليه غريزة الحب و الملكية فإذا شعر بقوته أراد أن يستولي على كل شيء، واعتبره حقا له ما دام هو القوي”، وهذاالموقف دعمه الكثير من الفلاسفة مثل هوبز الذي يرى أن السيد حصل عللى سلطته المطلقة بالقوة و هو القوى الذي من حقه أن يأخذ كل الحقوق و إذا حدث أن تغلب عليه أحد الرعية أصبح هو الحاكم القوي الذي يحق له الاستيلاء على كل الحقوق، أما كارل ماركس فيرى أن الأقوياء استولوا على الأراضي و سنوا القوانين التي تحمي ممتلكاتهم و أنفسهم هذا ’والحق الذي أقيم على القوة عند ماركس ليس عدلا، ولكن القوة تبقى عنده وسيلة لبناء العدالة في الحكم الاشتراكي، فطبقة البروليتاريا لن تستطيع أن تنتزع حقها من الطبقة البرجوازية التي أخذها بالقوة، إلا بالقوة، وتكون بذلك دولة البروليتاريا دكتاتورية توزع الحقوق على العمال كل حسب حاجته وتحصل بذلك العدالة الاجتماعية على هدفها الذي قامت من أجله، ويرى هيجل من جهته أن الأمة التي تصل إلى الفكرة المطلقة الخالية من كل السلبيات تكون هي الأمة القوية التي تمتلك جميع الحقوقالتي منها حق السيطرة و الهيمنة على العالم.
وقالت الدراسة ان نيتزيش يدعو إلى إرادة القوة مقابل خذلان الضعفاء ’ فمجد القوة و جعلها أساسا لتوزيع الحقوق و تطبيق العدالة الاجتماعية ’ فإذا كان الله هو الذي خلق الضعفاء و الأقوياء أليس لكي يحكم الأقوياء الضعفاء ؟ فيتمتعون بحقوق ليس من حق الضعفاء المطالبة بها ؟
وتضيف الدراسة انه منطقي جدا أن لا نسوى بين الأقوياء و الضعفاء، فالأقوياء (القوة العضلية و الفكرية) سلالة نقية خلقت من أجل أن تسود العالم و إذا استمعنا إلى داروين صاحب نظرية التطور، فيرى أن الطبيعة نفسها تقوم على مبدأ القوة و الصراع من أجل البقاء، والطبيعة تنتخب الأقوياء و يكون بذلك للقوي حق البقاء على حساب الضعيف الذي يجب أن يموت لا أحد يستطيع أن ينكر أن الحقوق توزع حسب القوة بين الأفراد، على الأقل هذا ما يؤكده تاريخ البشرية و كل دعوة إلى غير ذلك يبقى كلاما فلسفيا بعيدا عن الواقع.
وتوضح الدراسة انه إذا لاحظنا جيدا هذه الحجج التي تمنح الحق للبعض نجدها لا تخلو من تناقضات ، فما هو أخلاقي لا بد أن يبنى على أساس أخلاقي لأن الغاية الأخلاقية يجب أن تحقق بوسيلة أخلاقية و الحق كغاية أخلاقية لا يمكن أن يبنى على القوة التي هي وسيلة لا أخلاقية..
كما تقول الدراسة إن القوة تعني العنف و السيطرة و الاستغلال و كلها مفاهيم لا أخلاقية و الأساس اللاأخلاقي لا يعطي سوى نتيجة لا أخلاقية كما أن قياس الحق بالقوة معيار غير ثابت يفقد الحق معناه الحقيقي’ فكيف لي أن أعرف ما هو حقي، وما هوليس حقي؟ وما هو حقي اليوم لأنني قوي، لن يكون حقي غدا لما أصبح فقيرا ؟ كما أن الضعفاء في المجتمع الذي يقيم الحق على القوة لن يكون لهم أي حق، الأمر الذي لا يقبله العقل و لا المنطق و لا الأخلاق ’ ولنتساءل بم يشعر الضعيف في المجتمع الذي يقيس الحق على القوة و يقيم العدالة على أساسها ؟
وتوضح الدراسة انه إذا كانت العدالة قيمة أخلاقية غايتها تحقيق الاستقرار فان العدالة التي يريد أصحاب القوة بناءها لا تعرف معنى الاستقرار و القوي الذي يستولي على الحقوق لا ينام قرير العين و إنما ينام و هو خائف من بطش الضعفاء. إن الحق عند كانط كقاعدة أخلاقية سابقة لكل تجربة، أساسها العقل الذي يتعرف عليها بصورة قبلية و يتنزه من كل قوة مادية، انه ثابت لا يتغير، فما هو حق الإنسان اليوم لا بد أن يبقى دائما مهما تغيرت حالته المادية و الاجتماعية و ما هو حق لشخص لا بد أن يكون حقا لكل الأشخاص مما يضفي على الحق صبغة الكلية و العالميةوما يهدف إليه إيمانويل كانط، هو أن الحق حق الإنسان لأنه إنسان و ليس لأنه قوي.
وتشير الدراسة الي إن الحق بالمعنى الحقيقي لا يحتاج إلى قوة مادية لكي يقوم عليها فما لا يستطيع الإنسان أن يطالب به إلا إذا كان قويا فهو ليس حقه، لأن للحق قوة معنوية تغنيه عن كل قوة مادية كما يقول لايبنز، والحق يكسب صاحبه قوة معنوية و أخلاقية لا نجدها عند صاحب القوة، لنعود بذلك إلى ماكس ستينار و نقول له ليس الذي يملك القوة يملك الحق و إنما بالعكس من يملك الحق يملك القوة.
غير أن هذه القوة المعنوية التي يملكها صاحب الحق قد لا تصمد كثيرا أمام القوة المادية التي قد تمارس ضده, فإذا ترك الحق وحده دون أن نسنده إلى قوة مادية تحميه، يجعله يبدوا ناقصا لوجود الأشرار كما يقول باسكال فتكون القوة في خدمة القانون الذي يوزع الحقوق حسب الكفاءة التي تحددها قدرات الشخص و مجهوداته، وليس القانون في خدمة القوة.
و هكذا نستنتج من الدراسة أن قيام الحق على القوة يفقده معناه الروحي و الأخلاقي و إن كان الحق يحتاج أحيانا إلى القوة لكي تحميه، والقوة ليست مقياسا لتوزيع الحقوق و إنما وسيلة لحمايتها..