أكدت دراسة بعنوان “سد النهضة وتأثيره فى الأمن القومى المصرى” أعدها د. طارق عبود أن ” سد النهضة جزءاً من نظرية الأمن الصهيونى القائمة على التفوق العسكري، واكتساب الشرعية والهيمنة والتحكم في المنطقة وتطويق الدول العربية – خاصة مصر- وحرمانها من أي نفوذ داخل القارة الإفريقية”.
وأشارت الدراسة الى أن سد النهضة شغل مساحة غير مسبوقة فى يوميات المصريين مؤخراً، شعباً وحكومة ومؤسسات، بسبب الأهمية المتقدمة التي يشغلها في الوجدان والعقل المصريين، حاضراً وتاريخياً، لأنّ النيل شريان الحياة لمصر وشعبها الذي تجاوز عدده المئة مليون نسمة، وأنّ أي اعتداء على نهر النيل، وتقييد حصة المصريين من مياهه، سيشكّل تهديداً للأمن القومي لمصر، على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، مروراً بالسياسي والعسكري، وليس انتهاءً بسمعة مصر وتاريخها كدولة عظمى ورائدة في المنطقة، في الثقافة وفي التقدم نحو قيادة حركات التحرر، وكحضارة منحت البشرية الكثير.
وأوضحت الدراسة أن الكيان الصهيوني يحاول دائماً “استغلال الخلافات العربية مع بعض الدول الإفريقية وتعميقها، وتهديد أمن الدول العربية المعتمدة على نهر النيل لمحاولة زيادة نفوذها في الدول المتحكمة في مياه النيل من منابعه، مع التركيز على إقامة مشروعات زراعية تعتمد على سحب المياه من بحيرة فيكتوريا”.
واشارت الدراسة ضمن سرد متنوع إلى أن تل أبيب تستثمر “العداء التاريخي بين إثيوبيا والعرب، وإمكاناتها في التأثير في السياسات الإفريقية، إلى جانب قيامها بتشجيع الحركات الانفصالية في جنوب السودان، كما تسعى إلى خلق تيار مناهض للعرب، خاصة في المناطق المطلة على الساحل الشرقي في إفريقيا.
ولفتت إلى أن الصهاينة يولون “أهمية خاصة للقرن الإفريقي لاعتبارات عديدة منها وجود السودان باعتباره دولة إسلامية لها نشاط إسلامي ملموس في الدول الإفريقية”.
وتتفق الدراسة كليا مع ما قاله الكاتب والمفكر العربى على محمد الشرفاء الحمادى فى كتابه ” ومضات على الطريق ” حيث قال ” ان الواقع يشير الى أن الحكومة الخفية الماسونية، متعطشة على مر التاريخ للدماء، فلا قيمة للإنسان لديها إلا وقودا لتحقيق مصالحها فى سيطرة الصهاينة على حكم العالم .
كما أشار المفكر العربى الى انهم اشعلوا نيران الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين أودتا بأرواح أكثر من سبعون مليون إنسان، مطالبا العرب جميعا إدراك المخطط الجهنمى، وضرورة إدراكهم الأخطار المحدقة بمستقبلهم ومستقبل شعوبهم.
ويرى الكاتب والمفكر العربى على محمد الشرفاء أن الأشرار استطاعوا تدمير العراق، وتخريب سوريا، وتمزيق ليبيا، واسقطوا اليمن، وانهار الصومال !. فماذا بقى بعد ليعيد العرب الطامة الكبرى التي لن تبقي ولن تذر وحينها لن ينفع الندم؟ ألم يحذرنا الله بقوله سبحانه (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) ألم يأمرنا الله سبحانه بقوله ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) ألم ينصحنا الله سبحانه بأمره (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ).
وأكد الشرفاء أن قوى الشر أتت برئيس وزراء إثيوبيا ليتولى تحقيق ما عجزوا عنه فى الماضى، حيث يرى المفكر العربى على محمد الشرفاء الحمادى أنه مع التهديد الإثيوبي لتعطيش مصر بواسطة سد الخيبة تبدأ لحظة سقوط ما سمى بالأمن القومى العربى، وينكشف النفاق بين بعض الدول العربية الذي ظل سائدا مدة سبعون عاما منذ إنشاء الجامعة العربية، التي يراها الشرفاء من وجهة نظره مُعطلة منذ نشأتها في قيامها بدورها، مؤكدا أن مواقفها تجاه التهديدات غير العربية للعرب تشير إلى أنها مفرقة للأمة العربية ومشتتة لشمل وحدتها وممزقة كل أواصر العروبة بين أبناء الأمة العربية.
هذا الأمر أكده أيضا الدكتور طارق عبود فى دراسته “سد النهضة وتأثيره فى الأمن القومي المصري” والتي أكدت أنه لإحكام السيطرة السياسية والاقتصادية الصهيونية يقوم الصهاينة بدعم أنظمة الحكم المتعاونة معها والموالية لها فى القارة الإفريقية، وتوسيع دور حركات المعارضة فى الدول غير الموالية لها لنشر حالة من عدم الاستقرار السياسي، ويتعامل الصهاينة مع الأشخاص الأفارقة ذوي النفوذ الذين لهم مستقبل سياسي فاعل في بلدانهم”.
كما أوضحت الدراسة أن “التحالف الصهيوني – الإثيوبي” في مدخل البحر الأحمر، ومنابع نهر النيل، في الجانب الإثيوبي يرتكز إلى عوامل عديدة، في مقدمتها الأوضاع الاقتصادية المنهارة، والهزائم المتلاحقة التي مني بها الجيش الإثيوبي في إقليم التيجراي وفي أريتريا، ووقوع إثيوبيا تحت ضغط حاجتها إلى الأسلحة والدعم الصهيوني لمواجهة هذه الهزائم، وملء فراغ انسحاب القوات السوفيتية من إثيوبيا، في مقابل أن يحقق الكيان الصهيوني أهدافه البعيدة المدى، ومحاولة ابتزاز مصر، والضغط عليها لإعاقة أي دور يمكن أن تؤديه على صعيد القضية الفلسطينية وتطوراتها، وكذلك إعاقة أي دور مصري لحل قضية جنوب السودان والذي يعدّ من الأهداف الإثيوبية – الإسرائيلية المشتركة.””
واختتم الباحث دراسته بقوله “إنّ نهر النيل بالنسبة إلى مصر هو حاجة حيوية واستراتيجية، وأنّ مصر تعتمد على الكمية التي تستخدمها من مياهه بشكل كبير جداً، ولم تتحضّر لمرحلة الانخفاض الكبير في حصتها المائية، ولم تتنوّع خياراتها. لذا، فإنّ أي تدخّل من قبل دول الحوض، من خلال السدود المزمع إقامتها ستؤدي إلى مشكلة كبيرة لمصر وللزراعة فيها ولاقتصادها، وإنّ سد النهضة الإثيوبي، ورغم كل التطمينات التي تحاول إثيوبيا أن تمنحها إلى مصر، لا تخفف من القلق المصري المخيف، رغم عشرات الاتفاقيات المعقودة بين دول الحوض، والتي تم تجاهل معظمها من أديس أبابا، بمساعد الولايات المتحدة وإسرائيل.
لذا يشعر المصريون أنهم مستهدفون في أمنهم القومي، وأنّ تدخل الدول الإقليمية والدولية لمساعدة إثيوبيا في بناء السد، هو استهداف للأمن القومي المصري. وقد استغلت إثيوبيا الفوضى التى حصلت فى مصر بعد العام 2011، لتسرّع من وتيرة بناء السد، لأنّ مصر كانت منشغلة في ترتيب أوضاعها السياسية بعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك، ومن ثم وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم، قبل الانقلاب عليهم، ما دفع بالكيان الإسرائيلي إلى ممارسة الضغوط على مصر من خلال تقديم المساعدة والمشورة للإثيوبيين للتقدّم بقوة نحو إنهاء بناء السد وملئه، ولأنّ الإسرائيليين يعتبرون أنّ إضعاف الدور المصري في المنطقة وتطويعه، يجعل مصر ضعيفة، وغير مؤثّرة في المشهد السياسي الإقليمي، ولأنّ المطامع الإسرائيلية التاريخية في مياه النيل ما زالت حاضرة بقوة. وتطرقت الدراسة إلى خيارات مصر العسكرية في تقويض سد النهضة، الا أن هذا الخيار دونه صعوبات كبيرة.
وتابعت الدراسة ” إنّ وضع المصريين لا يحسدون عليه، ولم يبقَ أمامهم سوى إعادة الاتفاق مع إثيوبيا على معالجة واقعية لتقاسم مياه النيل، بالاتفاق مع السودان، وبمساعدة القوى الدولية الكبرى الحليفة لمصر، وهو حل لا يلقى التجاوب من إثيوبيا، بسبب هذه القوى، ولكنها تتجاهل كل المخاوف المصرية المشروعة. وإلا على مصر مراجعة تحالفاتها الدولية، ولا سيما مع الولايات المتحدة الأميركية، وإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد، ولا سيّما أنّ هاتين الدولتين أثبتتا أنهما تصطفان إلى جانب إثيوبيا فى مواجهة مصر فى قضية حيوية واستراتيجية للأمن القومى المصرى .