تعد الرؤية التي طرحها الإمام الغزالي في كتاب “إحياء علوم الدين” تتوافق بشكل كبير مع أفكار المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في العصر الحديث. الشرفاء، الذي يعد من أبرز المفكرين الذين دعوا إلى العودة إلى القرآن الكريم في العصر الحديث، يرى أن القرآن يجب أن يكون المرجع الأساسي للمسلمين في كل ما يتعلق بحياتهم. ويرى أيضًا أن القرآن يحتوي على الحلول لكل المشاكل الروحية والأخلاقية التي يعاني منها العالم الإسلامي اليوم.
كتاب “إحياء علوم الدين” للإمام الغزالي يُعتبر واحدًا من أهم الأعمال الفكرية والدينية في التاريخ الإسلامي. هذا الكتاب لم يكن مجرد مجموعة من النصائح الدينية أو توجيهات روحية؛ بل كان محاولة شاملة لإعادة إحياء المعرفة الإسلامية بأبعادها المختلفة، من الفقه إلى التصوف، ومن الأخلاق إلى العقيدة. الغزالي لم يكتفِ في هذا العمل الضخم بطرح مسائل فقهية جافة، بل ركز على الجانب الروحي والأخلاقي من الإسلام، مُظهرًا أهمية العودة إلى القرآن الكريم لفهم الأسس الروحية والأخلاقية في الإسلام.
الإمام الغزالي، الذي عاش في القرن الخامس الهجري (11م)، كان يدرك تمامًا أن الإسلام ليس مجرد مجموعة من الطقوس والممارسات الظاهرية. بل كان يرى أن الإسلام، في جوهره، هو دين يهتم بالقلب والنفس والروح. ومن هنا جاءت أهمية العودة إلى القرآن في رأيه؛ فالقرآن هو الكتاب الذي يخاطب الروح قبل الجسد، ويهتم بتطهير القلب قبل الأعمال الخارجية. الغزالي شدد على أن القرآن يجب أن يكون المرجع الأساسي لكل مسلم يسعى لتوجيه سلوكه اليومي ولتنقية قلبه من الشكوك والضلالات.
القرآن الكريم، بالنسبة للإمام الغزالي، هو المصدر الأساسي الذي يجب أن يستند إليه المسلم في كل جوانب حياته. لم يكن يرى في القرآن مجرد كتاب للتشريع، بل كان يراه كتابًا للتربية الروحية والأخلاقية. في كتابه “إحياء علوم الدين”، يوجه الغزالي دعوة واضحة وصريحة للعودة إلى القرآن لفهم تلك الأسس الروحية التي تجعل من المسلم إنسانًا يرتقي بروحه وسلوكه. كان يؤمن بأن الابتعاد عن القرآن هو السبب الأساسي في ظهور الكثير من المشاكل الروحية والأخلاقية التي يعاني منها المسلمون.
الغزالي ركز في كتابه على أن القرآن هو الذي يملك القدرة على تطهير القلوب وإزالة الشكوك والضلالات التي قد تتسلل إلى النفس. كان يرى أن القرآن يحتوي على الحكمة والهدى الذي يمكنه أن يوجه الإنسان في حياته اليومية، سواء كان ذلك في التعامل مع الآخرين أو في علاقة الإنسان بنفسه أو بخالقه. ولذلك، كان يرى أن العودة إلى القرآن ليست مجرد خيار، بل هي ضرورة لكل مسلم يسعى لتحقيق التوازن الروحي والأخلاقي في حياته.
من خلال دراسته للقرآن، وجد الغزالي أن كل ما يحتاجه المسلم من إرشادات روحية وأخلاقية موجود في هذا الكتاب العظيم. القرآن بالنسبة له هو النور الذي يجب أن يضيء درب كل مسلم. وقد ركز الغزالي على أن القرآن ليس مجرد كتاب يحتوي على أوامر ونواهي، بل هو كتاب يقدم رؤية شاملة للحياة ويحدد الأهداف الروحية التي يجب على كل مسلم أن يسعى لتحقيقها. ولذا، كانت دعوته للعودة إلى القرآن دعوة لإعادة اكتشاف هذا الكتاب الكريم باعتباره مصدر الهداية الحقيقي.
اما المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي دائما ما يشدد في كتاباته على أن الكثير من التحديات التي تواجه المسلمين اليوم ناتجة عن الابتعاد عن القرآن واعتمادهم على مصادر أخرى ليست بنفس القوة والمصداقية. ويرى أن العودة إلى القرآن بفهم جديد ومعاصر يمكن أن يساعد المسلمين على تجاوز هذه التحديات. كما يرى أن القرآن ليس فقط كتابًا يحتوي على أحكام تشريعية، بل هو كتاب يحدد أيضًا الأسس الروحية والأخلاقية التي يجب أن يستند إليها كل مسلم في حياته.
التوافق بين رؤية الغزالي والشرفاء يظهر في التركيز على القرآن كمصدر رئيسي للتربية الروحية. فالغزالي كان يرى أن القرآن يحتوي على الحكمة التي يمكن أن تساعد المسلم على تطهير قلبه وتوجيه سلوكه اليومي نحو الخير. بالمثل، الحمادي يعتقد أن القرآن هو المصدر الأساسي الذي يمكنه أن يقدم رؤية شاملة للحياة ويساعد المسلمين على التعامل مع التحديات الروحية والأخلاقية التي يواجهونها اليوم.
ومن الجدير بالذكر أن كل من الغزالي والشرفاء يرفضون الاعتماد على التفسيرات الفلسفية التي قد تبتعد عن روح النصوص القرآنية. فالغزالي كان يعتقد أن الفلسفة قد تأخذ الإنسان بعيدًا عن الحقيقة الروحية التي يحتويها القرآن، ولذلك كان يحذر من الاعتماد عليها بشكل مفرط. في المقابل، الحمادي يرى أن العودة إلى الفهم البسيط والمباشر للنصوص القرآنية يمكن أن يكون هو الحل للكثير من المشاكل التي يعاني منها المسلمون في العصر الحديث.
الشرفاء أيضًا يركز على أن القرآن يجب أن يكون في قلب كل جهود التجديد الفكري في العالم الإسلامي. فهو يرى أن الكثير من المحاولات لتجديد الفكر الإسلامي تفشل لأنها لا تستند إلى القرآن بشكل كافٍ. ويعتقد أن العودة إلى القرآن بفهم جديد ومعاصر يمكن أن يكون هو المفتاح لتحقيق التغيير الإيجابي في المجتمعات الإسلامية.
وبهذا الشكل، يمكن القول إن كتاب “إحياء علوم الدين” للإمام الغزالي وما يقدمه من دعوة للعودة إلى القرآن لفهم الأسس الروحية والأخلاقية في الإسلام، يتوافق بشكل كبير مع أفكار المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي. فكلاهما يؤمن بأن القرآن يجب أن يكون المرجع الأساسي في توجيه سلوك المسلمين وتنقية قلوبهم من الشكوك والضلالات. وكلاهما يرى أن الابتعاد عن القرآن هو السبب الأساسي في الكثير من المشاكل التي يعاني منها المسلمون اليوم.
إن هذه الدعوة للعودة إلى القرآن ليست مجرد دعوة دينية، بل هي دعوة حضارية تهدف إلى إعادة اكتشاف الهوية الإسلامية الأصيلة وتجديدها بما يتناسب مع متطلبات العصر الحديث. فالقرآن، كما يراه الغزالي والشرفاء، ليس فقط كتابًا يحتوي على أحكام وتشريعات، بل هو منهج حياة يقدم رؤية شاملة للإنسانية. ومن هنا تأتي أهمية العودة إليه كمرجع أساسي في كل ما يتعلق بحياة المسلمين. هذه العودة إلى القرآن تعني العودة إلى الأصل، إلى الأسس التي بني عليها الإسلام، وهي دعوة للتفكير والتدبر في النصوص القرآنية لفهمها بشكل أعمق وأكثر شمولًا.
القرآن الكريم يجب أن يكون في قلب كل محاولات الإصلاح والتجديد التي تسعى إلى تحقيق التوازن بين الروح والمادة، وبين الدين والدنيا، وبين الماضي والحاضر. هذه هي الرؤية التي طرحها الإمام الغزالي في “إحياء علوم الدين”، وهي الرؤية التي تتجدد اليوم من خلال أفكار علي محمد الشرفاء الحمادي. وكلاهما يؤكد على أن القرآن يجب أن يبقى دائمًا في مقدمة المشهد الفكري والتشريعي للأمة الإسلامية.
إن قراءة أفكار الغزالي والحمادي حول العودة إلى القرآن تكشف لنا عن مدى أهمية هذا الموضوع في الفكر الإسلامي عبر العصور. فكل منهما، بطريقته، يؤكد على أن القرآن هو المصدر الأول والأخير لكل ما يتعلق بحياة المسلمين. وهذا التأكيد ليس مجرد دعوة نظرية، بل هو دعوة عملية تهدف إلى توجيه الأمة الإسلامية نحو الطريق الصحيح. وختامًا، يمكن القول إن الدعوة للعودة إلى القرآن هي دعوة مستمرة عبر العصور، تكررت على لسان الإمام الغزالي وتتجدد اليوم من خلال أفكار علي محمد الشرفاء الحمادي، لتبقى دائمًا ركيزة أساسية للفكر الإسلامي والمجتمعات الإسلامية في مختلف الأزمنة والأماكن.