في ظل الأزمات المتعددة التي تواجه الأمة الإسلامية اليوم، تبرز قضية هجر القرآن الكريم كأحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تفاقم حالة التشرذم والانقسام بين المسلمين. تناول المفكر العربي علي محمد الشرفاء هذه القضية في مقاله الأخير، حيث أوضح أن ابتعاد المسلمين عن القرآن الكريم هو السبب الأساسي في تفرق الأمة وتصادم الفرق والمذاهب المختلفة. وفقاً للشرفاء، فقد تبعت كل فرقة إسلامية منهجاً أو عقيدةً صياغة بشرية بعيدة عن النصوص القرآنية الأصيلة، وهو ما أدى إلى ظهور التناقضات والصراعات الداخلية.
الشرفاء يؤكد في مقاله أن القرآن الكريم هو حبل الله المتين الذي يجب على المسلمين الاعتصام به ليجنبوا أنفسهم وأمتهم الوقوع في الفتن والتفرقة. يستند في رأيه إلى الآية الكريمة “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا”، مشيراً إلى أن الله سبحانه وتعالى كان على علم مسبق بأن المسلمين سيبتعدون عن القرآن، وأن هذا الابتعاد سيؤدي إلى تشتت الأمة وتفككها. كما يشير إلى الآية القرآنية “تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ” (سورة الجاثية: 6) التي يرى فيها تحذيراً من الله بعدم اتباع أي روايات أو أحاديث تتناقض مع القرآن الكريم.
وفي هذا السياق، يطرح الشرفاء وجهة نظره بأن الروايات البشرية التي نقلت عبر الأجيال، ونُسبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت في كثير من الأحيان لا تتوافق مع القرآن الكريم. وهذه الروايات، بحسب رأيه، قد ساهمت في خلق مذاهب وأفكار تختلف عن النص القرآني، ما أدى إلى تفرق المسلمين وتنازعهم. يضيف الشرفاء أن الأنبياء والرسل لم يُمنحوا حق التشريع، بل كان دورهم محصوراً في تبليغ رسالة الله للناس كما هي، دون إضافة أو حذف أو تعديل.
في المقابل، يأتي الباحث اليمني فيصل صنعون ليقدم رؤية أخرى تتكامل مع ما طرحه الشرفاء، حيث يرى أن المشكلة المركزية التي تناولها الشرفاء حول هجر القرآن تثير جدلاً أعمق حول مفهوم المرجعية في الإسلام. صنعون يشدد على أن القرآن الكريم يجب أن يكون المرجعية الأساسية للمسلمين، ولكنه يؤكد في الوقت نفسه على أهمية السنة النبوية في تفسير وتوضيح القرآن. من وجهة نظره، الاعتماد فقط على القرآن دون الاستناد إلى السنة يمكن أن يؤدي إلى سوء فهم النصوص وإلى تعميق الانقسامات بين المسلمين.
صنعون يوافق على أن هجر القرآن قد أسهم بشكل كبير في تراجع الأمة الإسلامية، لكنه يرى أن هناك ضرورة ماسة لفهم النصوص القرآنية في سياقها التاريخي والاجتماعي والديني. ويؤكد أن العودة إلى القرآن والسنة معاً هي الطريقة المثلى لفهم الدين الإسلامي بشكل صحيح. في هذا الإطار، يحذر صنعون من الاعتماد الكامل على الروايات البشرية التي قد تتناقض مع التعاليم الإلهية، مشيراً إلى أن هذه الروايات، التي تم تقديسها عبر الزمن، قد انحرفت في بعض الأحيان عن المعاني الحقيقية للقرآن.
وفي سياق الحديث عن حرية الاعتقاد في الإسلام، يشير صنعون إلى أن القرآن الكريم يكفل هذه الحرية، ويضع على عاتق الفرد مسؤولية كبيرة في تدبر النصوص وفهمها. ويستند صنعون في هذا الشأن إلى العديد من الآيات القرآنية التي تؤكد على حرية الإنسان في اختيار معتقده، مثل قوله تعالى: “فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” (سورة الكهف: 29)، والتي تعكس مفهوم حرية الاعتقاد كأحد أسس الدين الإسلامي. ويشير أيضاً إلى أن الله سبحانه وتعالى لم يمنح أي نبي أو رسول حق التشريع أو فرض الدين بالقوة، بل حصر مهمتهم في تبليغ الرسالة فقط.
صنعون يرى أن التفاسير البشرية للنصوص القرآنية، التي تبلورت على مر العصور، قد ساهمت في خلق تفسيرات مختلفة أدت إلى الانقسامات بين المسلمين. ويضيف أن الله قد أمرنا بالتدبر واستخدام العقل في فهم النصوص القرآنية، وعدم الارتهان للخرافات والأوهام التي نشأت من التفسيرات البشرية. وفي هذا الإطار، يدعو صنعون إلى ضرورة تحرير العقول من التقاليد الفكرية التي قيدت فهم النصوص القرآنية، ويشدد على أهمية استخدام المنطق والعقل في استنباط الحلول التي تتناسب مع كل عصر.
ويؤكد صنعون على أن القرآن الكريم قد وضع قاعدة عظيمة تأمر المسلمين جميعاً بأن يستنبطوا حلولاً تتوافق مع كل عصر من القرآن الكريم. وهذا ما يجعل الإسلام ديناً صالحاً لكل زمان ومكان، وفقاً لما جاء في سورة البقرة: “هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ” (سورة آل عمران: 7).
وبالعودة إلى رأي الشرفاء، يؤكد أن ترك القرآن والاعتماد على النصوص البشرية والقصص المنسوبة زوراً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، كان سبباً في ظهور التيارات المتشددة التي زعزعت استقرار الأمة الإسلامية. ويرى أن القرآن الكريم يجب أن يكون المرجعية الوحيدة للمسلمين، وأنهم بحاجة إلى العودة إليه لتجنب الفتن والصراعات الداخلية التي تعصف بالأمة.
وفي الختام، يدعو كل من الشرفاء وصنعون إلى العودة للقرآن الكريم بفهم عميق وشامل كمرجع مفسر ومكمل. ويرون أن هذه العودة هي السبيل الوحيد لإنقاذ الأمة من الانقسام والتشرذم، وإعادة بناء وحدتها على أسس من العدل والمحبة والسلام. يؤكدون على ضرورة تطوير فهم جديد للنصوص القرآنية يتماشى مع التحديات الراهنة، ويشددون على أهمية تدبر النصوص واستخدام العقل في تفسيرها، بعيداً عن الخرافات والتفسيرات التي أضفت عليها القدسية دون وجه حق.
يرى الشرفاء وصنعون أن هذه العودة للقرآن الكريم هي ما سيجمع المسلمين تحت راية واحدة، ويعيد لهم مكانتهم كأمة واحدة قوية ومتماسكة، قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق السعادة والعدل في الدنيا والآخرة.