يثير الصراع المسلح في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع قلقاً إقليمياً ودولياً يمتد إلى مياه النيل وخطوط أنابيب النفط كما يتصل بشكل الحكومة الجديدة المتوقعة إلى جانب مخاوف من أزمة إنسانية كبيرة تلوح في الأفق.
وقد نُشرت دراسة اعدها الباحث اسلام فكري حول تداعيات الصراع في السودان علي الامن العربي والدولي وهي تتوافق كليا مع رسالة المفكر العربي علي الشرفاء التي بعثها للسودان قبل حدوث الانقسام والذي قال فيه ” من منطلق الرباط المتصل مع ما يجري من تطورات في السودان الشقيق، ومن إطلالتي المستمرة على المتغيرات المتلاحقة فيه، ومن واقع الأمانة القومية العربية- أن أطرح أمامكم رؤية متواضعة لتجنيب السودان ما يخبئه له المستقبل؛ حتى لا ينساق خلف عاطفة متحمسة غير ً محسوبة العواقب؛ وهو الأمر الذي قد ينتج عنه آثارا سلبية؛ قد تتحول إلى تمزيق الوطن. لذا يتطلب الأمر معالجة استثنائية تتجاوز التمنيات، وتتعامل ُ مع الواقع؛ حيث إن الأمة تواجه ً هجمة ً شرسة؛ تم التخطيط لها منذ أمد بعيد، ينفذها أعداؤها بالعمل على خلخلة هياكل الدول العربية، وتغيير أوضاعها الجغرافية”
حيث أشار المفكر العربي علي الشرفاء الي ان تمزيق السودان ما هو الا مخطط يحقق اهداف الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا؛ التي تسير وفق المشيئة الإسرائيلية في استغلال الثروات الاقتصادية، وتسخيرها لمصالحهم على حساب شعوب الدول العربية” وهو ما اتفق مع الدراسة التي جاءت بعنوان السودان “ الصراع في السودان مخاطر تحدق بدول المنطقة وقلاقل لدى قوى دولية”
وقالت الدراسة ان الصراعات ليست وافداً جديداً على السودان الذي يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية. لكن القتال هذه المرة يمزق عاصمة الدولة الواقعة في منطقة غير مستقرة على تخوم البحر الأحمر ومنطقتي الساحل والقرن الإفريقي.
وشهدت خمس من سبع دول مجاورة للسودان، وهي إثيوبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا وجنوب السودان، اضطرابات سياسية أو صراعات في السنوات القليلة الماضية.
وأدى القتال الذي اندلع في الخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في 15 أبريل إلى تقويض خطة مدعومة دولياً للانتقال إلى الحكم المدني بعد الإطاحة في عام 2019 بالرئيس عمر البشير الذي تولى هو نفسه السلطة في انقلاب عام 1989.
ويدور الصراع بين رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وبين القائد الثري لقوات الدعم السريع غير النظامية الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، وهو أيضاً نائب البرهان في مجلس السيادة.
وتعد الدولة العربية مصر وهي الأكثر اكتظاظاً بالسكان والتي تمتلك جيشاً قوياً، لها تاريخ مشترك مع السودان في السياسة والتجارة والثقافة ومياه النيل المشتركة.
وتشعر القاهرة بالقلق من الاضطرابات السياسية في الدولة الواقعة على حدودها الجنوبية منذ انتفاضة 2019 التي أطاحت بالبشير. والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي تولى هو أيضاً السلطة بعدما سيطر الجيش على البلاد، مقرب من البرهان.
والسودانيون هم أكبر جالية أجنبية في مصر وبفارق كبير، ويقدر عددهم بنحو أربعة ملايين نسمة من بينهم نحو 60 ألف لاجئ وطالب لجوء.
وتشعر مصر والسودان اللتان تعتمدان على نهر النيل كمصدر للمياه العذبة، بالقلق من التهديدات التي تتعرض لها إمداداتهما من مشروع سد النهضة الإثيوبي عند منبع النهر على النيل الأزرق. وتدفع الدولتان باتجاه تنظيم عمل السد الإثيوبي. وأي توتر في العلاقاتبين الخرطوم والقاهرة قد يعرقل جهودهما للتوصل إلى اتفاق بشأن السد.
بينما أوضحت الدراسة ان الامر في ليبا مختلف فقد لعب المرتزقة ومقاتلو الميليشيات السودانيون دوراً نشطاً في طرفي الصراع الداخلي الذي قسّم ليبيا بعد عام 2011. وعاد كثيرون من المقاتلين السودانيين إلى السودان في السنوات الأخيرة، مما ساهم في تأجيج التوترات في إقليم دارفور بغرب السودان حيث احتدم صراع آخر منذ سنوات واستمر القتال حتى بعد التوصل إلى اتفاق مع بعض الجماعات المتمردة في عام 2020.
وأصبح السودان بحسب الدراسة نقطة انطلاق وطريق عبور للمهاجرين الذين يسعون للتوجه إلى أوروبا عبر ليبيا حيث استغل المهربون الصراع والاضطرابات السياسية لمصلحتهم.
كما أوضحت الدراسة ان دولة تشاد باتت تشعر بالقلق من امتداد الأزمة عبر الحدود إلى المناطق التي تستضيف فيها اللاجئين ومعظمهم من دارفور.
فقد قالت الأمم المتحدة إنه منذ بدء أحدث قتال، وصل نحو 20 ألف لاجئ سوداني آخر إلى تشاد، الدولة الفقيرة جارة السودان الغربية التي وصل إليها في صراعات سابقة نحو 400 ألف نازح سوداني.
وجدير بالذكر انه أثناء الصراع في دارفور، تعرضت تشاد لغارات عبر الحدود من الميليشيات العربية في السودان التي تعرف باسم الجنجويد والتي أصبحت قوات الدعم السريع. وهاجم أفراد هذه الميليشيات اللاجئين من دارفور والقرويين التشاديين واستولوا على الماشية وقتلوا من قاومهم. وقالت الحكومة التشادية إنها نزعت سلاح كتيبة قوامها 320 جندي تابعة للقوات شبه العسكرية كانت قد دخلت أراضيها يوم الاثنين.
كما أوضحت الدراسة ان تشاد تشعر بالقلق من احتمال أن يجد المتمردون التشاديون الذين يهددون حكومة نجامينا دعما من مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة الموجودة في جمهورية إفريقيا الوسطى المجاورة والتي يُعتقد أن علاقتها وطيدة بقوات الدعم السريع. وتنفي فاجنر أي تورط في السودان.
وأوضحت الدراسة ان جنوب السودات وهي الدولة التي انفصلت عن السودان في عام 2011 بعد حرب أهلية استمرت عقوداً، وتصدر إنتاجها النفطي البالغ 170 ألف برميل يوميا عبر خط أنابيب يمر عبر جارتها الشمالية. إنه ليس من مصلحة أي من طرفي الصراع في السودان تعطيل تلك التدفقات لكن حكومة جنوب السودان أوضحت إن القتال أعاق بالفعل الروابط اللوجستية والنقل بين حقول النفط وبورسودان.
ويستضيف السودان 800 ألف لاجئ من جنوب السودان. وأي عودة جماعية يمكن ان تفاقم الضغوط على الجهود المبذولة لتوفير المساعدات الأساسية لأكثر من مليوني نازح في جنوب السودان ممن فروا من ديارهم داخل السودان بسبب الحرب الأهلية.
وأشارت الدراسة الي ان الحدود الاثيوبية تعد هي الأكثر نشاطا مع السودان حيث تندلع، دورياً، مناوشات على طول المناطق الحدودية المتنازع عليها بين السودان وإثيوبيا وربما يستغل أي من الجانبين الاضطرابات في السودان للضغط من أجل تحقيق هدفه. خاصة بعد اندلاع الحرب في منطقة تيجراي بشمال إثيوبيا عام 2020، والتي ثارت بشأن منطقة الفشقة الخصبة المتنازع عليها على الحدود توترات كبيرة دفعت أكثر من 50 ألف لاجئ إثيوبي إلى مناطق فقيرة بالفعل في شرق السودان.
وأكدت الدراسة ان إثيوبيا ستراقب أيضاً التطورات في ظل التوترات بشأن سد النهضة والذي يوكد السودانيون إنه قد يمثل تهديداً لسدوده القائمة على النيل ومواطنيه.
بينما اشارت الدراسة الي ان موسكو التي أبرمت اتفقات مع حكومة البشير والتي تسعى بها منذ فترة طويلة إلى توفير موانئ في مياه دافئة لقواتها البحرية، على أن يستضيف السودان قاعدة بحرية وقال قادة عسكريون سودانيون إن هذا ما زال قيد المراجعة.
ووافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عام 2020 على إقامة منشأة بحرية روسية في السودان تكون قادرة على استقبال سفن تعمل بالطاقة النووية.
بيمنا تري الدراسة ان الولايات المتحدة والغرب – شعرت مثل القوى الغربية الأخرى، بسعادة نتيجة التخلص من البشير الذي تتهمه المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب أثناء الصراع في دارفور.
لكن منتقدين يقولون إن واشنطن تلكأت في دعم الانتقال نحو إجراء انتخابات. وخابت آمال السودانيين في تحقيق الديمقراطية حين قام البرهان وحميدتي بانقلاب في عام 2021.
ومن المتوقع أن تعرقل أحدث نوبات القتال أي عودة سريعة للحكم المدني مع غياب إبداء أي من الخصمين في الخرطوم أي استعداد للتسوية.