أكدت دراسة بعنوان ” مستقبل الصراع العربى التسرائيلى – مشاهد مستقبلية ” للباحث ناجى محمد الهناش أن الصراع العربي- الإسرائيلي من أعقد وأطول الصراعات في التاريخ الحديث والمعاصر، فهو صراع شامل ومتعدد في جوانبه السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، ولعب العامل الديني دوراً مهماً في تأجيجه، إذ ظلت إسرائيل تروج وباستمرار لأساطير وتفسيرات دينية مغلوطة، واكتسب هذا الصراع اهتمام عالمي واسع نتيجة للأهمية الدينية والاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط، ونشبت عدة حروب بين العرب وإسرائيل، تمكنت الأخيرة من احتلال مساحات كبيرة من الأراضي العربية، وظل التوتر سمة مميزة لهذا الصراع حتى في فترات التفاوض منذ كامب ديفيد إلى وقتنا الحاضر، مرورا بمؤتمر مدريد للسلام في عام 1991م وكذلك اتفاق أوسلو 1993، ولم تفلح الجهود في تسوية الصراع وظل الحال كما هو عليه نتيجة مواقف الأطراف المعنية، وتدخلات الأطراف الخارجية، ومما زاد الأمر سوءاً تفكك الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينيات، وفقدان الدول العربية الطرف الدولي المساند لها، وانفراد الولايات المتحدة الحليف القوي لإسرائيل بالدور في تسوية الصراع، وتهميش الأطراف الأخرى خاصة الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي.
وجاءت أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 والحرب الأمريكية على الإرهاب لتلقي بظلال قاتمة على هذا الصراع بعد أن طالت شبهة الأحداث العرب والمسلمين، وكانت من أهم نتائجه احتلال العراق وزيادة جروح ومآسي العرب، واستمرار الحرب الشاملة على الإسلام، دولا ومؤسسات وأفراداً، وكان للمنظمات والشخصيات الفلسطينية نصيب كبير منها، فكانت هدفا للقوة العسكرية الإسرائيلية ، ضمن الحرب العالمية التي تقودها الولايات المتحدة ضد ( الإرهاب).
وبعد أن أدركت إدارة الرئيس بوش الابن حجم الخطأ الذي وقعت فيه جراء اتهام الإسلام والعرب بالإرهاب، والذي كان من أهم نتائجه تأجيج حالة العداء والكراهية لكل ما هو أمريكي وتعرض المصالح الأمريكية للخطر، أخذت تلك الإدارة تعمل على تصحيح الصورة، أو بالأحرى تحسين صورتها في منطقة تعد من أهم المناطق الحيوية بالنسبة إليها، وكان لابد لها من العمل على إطلاق المبادرات وإحياء عملية السلام، فكان أولا الاعتراف بإقامة الدولة الفلسطينية في خطاب الرئيس بوش في 24 حزيران 2002 ، حيث أعلن ولأول مرة حلاً للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي قائماً على دولتين. إلاّ أن إسرائيل وعتْ إن عنصر الزمن هو الفاعل في رسم صورة الصراع الآني والمستقبلي، فعملت للاستفادة منه أقصى ما يمكن، لذلك سعت وتسعي إلى إنتاج البنية الأساسية النفسية لإعراض العرب عن الرهان على عامل الزمن، ولذلك فهي في سباق مع الزمن لترتيب بقائها في المنطقة، وإحاطته بسائر الضمانات الذاتية والإقليمية والعالمية، وإصرارها على أن تتلازم “عملية السلام”، على المسارات العربية الأخرى، مع التطبيع وإلغاء المقاطعة، والاعتراف بشرعية وجودها.
ونحن إذ نستشرف مستقبل الصراع العربي – الإسرائيلي، يتعين علينا الإقرار بصعوبة هذا الأمر، سيما إن الظاهرة موضوع البحث نابضة بالحركة والتسارع، وعدم الثبات، يضاف إلى ذلك إن الاستشراف المستقبلي أصبح يعنى بالجوانب غير الكمية وغير المادية في التحليل، بسبب ما تركته الثورة المعرفية والتكنولوجية من مضامين على مختلف جوانب الحياة الإنسانية، وهذا كله انعكس على الدراسات المستقبلية، التي تحتم تحديد هدف علمي واضح، ووضع الفروض لمعالجته محددا بإطار زمني في الغالب، بقصد الوصول إلى مشاهد محددة.
وعلى هذا الأساس ستنطلق دراستنا من قاعدة ماذا لو، وسنعمل أولا على توصيف المشهد المستقبلي المحتمل الذي نحاول بنائه، وتوضيح الشروط الواجب توافرها فيه لتحقيقه، انطلاقا من الوضع الراهن، مع رصد الكوابح التي تعمل بالضد من إتمام بناءه, ولكن وقبل ذلك لابد لنا أولاً تفحص العناصر التي تؤثر على مجمل الصورة المطلوب دراستها.
وقدر تعلق الأمر بدراستنا هذه فان هذه العناصر هي:
- على الجانب الفلسطيني يبرز الصمود الفلسطيني واستمرار اليقين بأن المقاومة للاحتلال بكل الصور والتمسك بحق التحرر هو نقطة البداية .
- على الجانب العربي، فان إصلاح الوضع العربي داخليا، وإعادة النظر بالعلاقات العربية الخارجية سيكون له الأثر المباشرة على إدارة الصراع مع إسرائيل،
- على الجانب الإسرائيلي، فهناك ثمة عوامل مهمة تؤثر في الموقف الإسرائيلي، مرتكزة على القوة العسكرية والتقدم العلمي والتكنولوجي، والدبلوماسية يغذيها التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة، وكذلك الموقف من أربعة مسائل مهمة هي مستقبل الأراضي العربية المحتلة، الهوية اليهودية لإسرائيل، لاستقلال الاقتصادي، وصفة الإنسان الإسرائيلي الذي يريده الإسرائيليون رؤيته في القرن 21.
وتنطلق فرضيتنا من نقطة جوهرية أساسها، هو إن المتغيرات التي أصابت النظام الدولي وانعكاساتها على منطقة الشرق الأوسط، والتواجد المركزي للولايات المتحدة فيها، سيترك آثاره المباشرة على طبيعة الصراع العربي – الإسرائيلي، وأن ثمة اهتماما أمريكيا لإنهاء هذا الصراع، وان بقاءه مفتوحا بهذا الشكل، يُعد أمرا غير مرغوب فيه، وان هناك حاجة دولية لوضع حد له والتفرغ لقضايا إقليمية ودولية أخرى.
ولكن بنفس الوقت ثمة إشكالية تواجهنا هنا وهي أن جميع الأطراف تريد إنهاء هذا الصراع، ولكن كلَ حسب وجهة نظره، لتحقيق أكبر المكاسب على حساب الآخر، وهذا يؤدي بالنهاية إلى تصادم الآراء والمواقف ، مما قد يؤدي إلى تأخير مسائل الحل النهائي.