في القرآن ألفاظ تعكس معنى واحدا في الظاهر، فإذا بحثنا عنها بإلقاء النظر إليها بالانتباه نجد الاختلاف بينها في الاستخدام، نحصل بعض التفاوت بينها في الاستعمال. كما ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : ﴿اللّه لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ﴾ فهنا، كلمتا “النوم”، و “السنة” متشابهان، كلمة “النوم” معروفة وهي تطلب معنى حالة من الحالات الإنسانية هي فتورٌ يعتري أعصاب الدّماغ من تعب إعمال الأعصاب ومن تصاعد الأبخرة البدنيّة النّاشئة عن الهضم والعمل العصبيّ، فيشتدّ عند مغيب الشّمس ومجيء الظّلمة فيطلب الدّماغ والجهاز العصبيّ الّذي يدبّره الدّماغ استراحةً طبيعيّةً فيغيب الحسّ شيئًا فشيئًا وتثقل حركة الأعضاء، ثمّ يغيب الحسّ إلى أن تسترجع الأعصاب نشاطها فتكون اليقظة. وكلمة “السِنة” هي تطلق على أول النوم. فهكذا يوجد في القرآن كثير من الألفاظ في هذا القبيل، من أمثالها القلب، والصدر، والفؤاد، وفي هذا الصدد تحاورت رسالة السلام مع السيد / محمد أبو زايد وهو باحث ومتدبر في كتاب الله من دولة الأردن حول مفهوم الفرق بين القلب والفؤاد.
أستاذ محمد ما هي ماهية القلب والفؤاد في القرآن ؟؟
الآيات التالية يمكننا بها الاستدلال على ذلك :لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا( وأيضا قوله تعالي (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا( فقفي الآية الأولى يستنكر الله على الذين كفروا أن قلوبهم لا يفقهون بها (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا)، وذلك يعني أن القلوب هي ما يتم بها إدراك الأمور وتفهمها : (يَفْقَهُونَ بِهَا)
والآية الثانية تصف القلوب بأنها الأداة التي يمكن التعقل بها : (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) أي إدراك صحيح مدلول كل شيء .وكلنا على يقين من أن الفهم والإدراك يتم بواسطة المخ الذي وهبه الله لنا فهو ما نتعقل به كل الأمور وبغيابه بأي طريقة لا تعقل لنا ولا فقه .
أفلا يدل ذلك على أن القلب المشار إليه في القرآن لابد وأنه هو المخ أو جزء منه ؟؟
لكي نزيل تماماً المعتقد الباطل بأن القلب الذي نتفهم به الأمور هو القلب العضوي الذي وظيفته ضخ الدماء ـــ فلغوياً قلب الشئ هو ما في داخله وأهم ما فيه بحيث إذا زال القلب توقفت كينونة الشيء وفقد أهم ما يدل عليه ، فمثلاً يُقال أن قلب النخلة جُمّارها ، فهو أهم ما فيها وبدونه ينتهي أمرها .
وإذا ما طبقنا معنى القلب هذا على البشر فسنجد أن أهم ما في داخلهم هو المخ (الدماغ) ، ففي حقيقته هو الأنا ، وبالذات دوائر في المخ ينتج عن عملها الفكر والوعي والإدراك (العقل) .
فطالما تعمل تلك الدوائر أنا موجود بفكري ووعي وإدراكي لكل شيء يحيط بي، وإذا ما توقفت عن العمل فليس لي من وجود حسي.. لذا يمكننا القول إنها الأنا، وباقي أجزاء الجسم البشري بكل مكوناته ــ ومن ضمنه القلب العضوي ــ ما هي إلا عبد مطيع للمخ يسيره كيفما يشاء لكي يضمن الأنا (دوائر الفكر والوعي والإدراك) دوام التواجد وعدم الفناء وقدراتي على أن أفكر وأبحث وأصدق أو أكذب تكون فقط بتلك الدوائر وليس كما يظن البعض أنه حادث بواسطة القلب العضوي.
والدليل العملي القوي الدامغ على ذلك أنه إذا ما استبدلنا القلب بآخر صناعي مصنوع من المعادن واللدائن فسنظل نعقل بدماغنا ولن يتأثر فكرنا أو معتقداتنا أو مشاعرنا الخاصة لمن يحيطون بنا.
أما إذا توقف المخ أو تضرر منه الجزء الذي ينتج عن عمله دوائر الفكر والوعي والإدراك فسيتوقف العقل تماماً أو يضمحل بحسب نوعية ومقدار التلف.
ـفالقلب إذاً هو الجزء من المخ البشري الذي ينتج من عمله الفكر والوعي والإدراك . فهو الذي نفكر به ونعقل وهو الذي نعي وجودنا بواسطته وهو الذي ندرك به ما حولنا وبالتالي هو ما نؤمن بواسطته أو نكفر .
وإذا ما اطلعنا على مجمل آيات القرآن التي تشير إلى القلب نجدها تتعلق في مجملها بالعقل والفكر واتخاذ القرار .
- وما الفرق بين القلب والفؤاد ؟؟
انالآيات التي تخص الفؤاد فهي في عمومها تشير إلى المشاعر والأحاسيس والحب والكره ، وكل ذلك يحدث في الوقت الذي نعي فيه وندرك ونفكر .
فلابد إذاً أنه ناتج من عمل دوائر خاصة في المخ لها ارتباط وثيق بدوائر الفكر والوعي والإدراك ، فهما يتكاملان في العمل .
ومن ذلك نعي أن الفؤاد هو الجزء من المخ البشري الخاص بالمشاعر والأحاسيس والحب والكره وتتحكم فيه بقدر كبير ما طبعه الله في الجينات من فطرة وغرائز ونوازع ودوافع .
ودوائر المخ البشري بكل خلاياها على اتصال ببعضها البعض عن طريق ترابطها بعقد الاتصال الموصلة بين أعصاب خلايا المخ جميعها .
وبتداخل دوائر الفؤاد مع دوائر القلب (دوائر الفكر والوعي والإدراك) يحدد الإنسان موقفه من كل شيء ويتخذ القرار الذي يراه في صالحه ، وذلك بحسب تغليب تأثير أي من تلك الدوائر على الأخرى .
فإما يكون القرار في صالح مشاعره وأحاسيسه أو في صالح العقل المجرد أو في مجال وسيط بين هذا وذاك .
ومما تقدم نرسو على يقين من أن القلب المشار إليه في القرآن هو دوائر الفكر والوعي والإدراك في المخ البشري .