في مقالته : الرسالة الإسلامية بين الوضوح القرآني والغموض المفتعل يفاجئنا الأستاذ علي الشرفاء بمقاربة تحليلية لقضية الإعجاز القرآني واستعصائه على أشكال وألوان التحريف والتبديل ، مما يجعله يقف شامخاً كأعظم نص معصوم محاط بجميع جوانب الحفظ والصيانة من المساس بحرف من حروفه ناهيك عن كلمة أو آية، لأن الله تعالى الذي أنزله على رسوله هو نفسه العلي القدير الخبير الذي تكفل بحفظه بما أحاطه به من جوانب إعجاز في ذلك.
ولأن القرآن كلام الله المنزل الذي لا يَخْلَق من كثرة النظر والتأمل والمدارسة، فإن الشرفاء قد تجاوز بنا اليوم في مقالته جوانب الإعجاز القرآني التقليدية التي درسناها واحتشدت بها مؤلفاتنا ومقالاتنا ورسائلنا الجامعية ، تلك الوجوه الإعجازية المتمثلة في :
الإعجاز العلمي ، والمعرفي ، واللغوي ، والعقلي ، والتشريعي ، والبياني .
ويذهب بنا الشرفاء إلى منحى جديد من خلال هذه المقالة بجعلها تأصيلا لوجوه جديدة من وجوه الحفظ والإعجاز القرآني ، فالمقالة تضيف جانبين جديدين من جوانب الحفظ والإعجاز القرآني ، وهما : ١. صيانة القرآن الكريم وحفظه من تغول المرويات الموضوعة والمكذوبة على التشريع القرآني .
٢. حفظ القرآن الكريم من سطوة التأويل الفاسد الصارف عن المعنى الحقيقي إلى المعاني الموهومة والمظنونة .
وأهمية هذين الوجهين الإعجازيين من وجوه الحفظ أنهما لا يقلان ضرورة عن حفظ حروف القرآن وألفاظه وآياته .
فإن كان حفظ الحرف واللفظ والآي يضمن أبدية سلامة النص وموثوقيته ولزوم حجيته على الخَلْق.
فإن حفظ القرآن من تغول المرويات الموضوعة والمكذوبة ، وكذلك حفظه من التأويلات الفاسدة الصارفة عن المعاني الحقيقة لصالح الموهوم والمظنون ، لسوف يضمن أبدية حياة القرآن متجسدا في واقعنا المعيشي معنى وسلوكا ومعاملةً وعبادةً واعتقادا وتعايشا وأُخوةً .
وبهذين الوجهين من الحفظ والإعجاز يستطيع المسلمون النجاة والإفلات من مأزقهم الحضاري الذي أوقعهم فيه تفرقهم في دينهم شيعا وأحزابا وفِرقاً متصارعة بسبب تلك التأويلات الباطلة واستنادا إلى تلك المرويات المكذوبة.
وأظن أن الشرفاء في تلك المقالة يستنهض الهمم ويستحث العقول ويخاطب القلوب المخلصة لأجل أن نعمل متكاتفين وبكل قوة كأسباب وأدوات مُيَسَّرة من الله تقوم بمهمة حفظ كتابه المكنون الذي تكفل به سبحانه وسخرنا لذلك ، بأن نعمل على كشف تلك المؤامرة على كتابه ودرء مفعولها وآثارها ، وذلك بتصحيح المفاهيم وبيان جوهر البلاغ القرآني الحقيقي ومقاصده الإصلاحية الرامية إلى تأسيس المدينة الإنسانية الفاضلة التي يعيش ساكنوها متمتعين بأخوة جامعة وعدالة يانعة وعيش مشترك على المحبة والسعة.