اتفق الباحث الجزائري أحمد دراز، مع المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي في تحليله لتأثير فقهاء السوء على فهم الأركان والغايات العليا للإسلام.
وأكد دراز أن تأثير هؤلاء الفقهاء كان له عواقب وخيمة على الوعي الإسلامي، حيث استغلوا الروايات لتوجيه الناس بعيدًا عن جوهر الخطاب الإلهي في القرآن، مما أدى إلى انحراف كبير في فهم الإسلام.
دراز سلط الضوء على مفهوم الأعمال الصالحة في القرآن الكريم، الذي أسيء فهمه من قِبل الأغلبية، يتساءل الكثيرون عن ماهية الأعمال الصالحة، وغالبًا ما يجيبون بأنها الصلاة والصوم والزكاة والصدقة، لكن القرآن يقدم مفهومًا أعمق بكثير للأعمال الصالحة، وهو مفهوم يتجاوز مجرد أداء العبادات.
دراز يشير إلى أن الأعمال الصالحة تأتي كمطلب أساسي بعد الإيمان لدخول الجنة، حيث يُقرن الإيمان بالعمل الصالح في العديد من الآيات، مثل قوله تعالى: “الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ”.
فالإيمان، وفقًا لدراز، يتطلب تصديقًا بالجوارح والقول باللسان، وأن كل ما يؤكد الإيمان مثل الصلاة والزكاة والصدقة يُعد جزءًا من هذا الشرط. ومع ذلك، يتساءل دراز: ما هو العمل الصالح الذي يُشكل الشرط الثاني لدخول الجنة؟ العمل الصالح، كما يراه دراز، ليس مجرد أداء الطقوس الدينية بل يتضمن مفهوم الإصلاح، الإصلاح هو صيانة الشيء وبناءه وترميمه ليكون نافعًا، وعكس ذلك هو الفساد الذي يُعطل ويدمر ويُفسد.
دراز يستشهد بآيات قرآنية تشير إلى أهمية الإصلاح وتحذير من الإفساد، مثل قوله تعالى: “وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا”.
من خلال تدبر القرآن، يوضح دراز أن العمل الصالح يتعلق بالقيام بالأعمال بشكل حسن ومفيد، كل عمل يؤديه الإنسان، إذا أُنجز بإحسان وإتقان وأدى إلى نفع الناس، يُعد عملاً صالحًا، على العكس، أي عمل يُؤدى بشكل سيء أو يؤدي إلى إفساد، لا يُعد عملاً صالحًا. لذلك، الطبيب الذي يُحسن في التشخيص والعلاج يساهم في إصلاح صحة المجتمع، بينما الطبيب المهمل يُفسدها، المدرس الذي يُخلص في عمله يساهم في إصلاح التعليم، بينما المدرس الفاشل يساهم في إفساده.
في هذا السياق، يرى دراز أن مفهوم العمل الصالح يشمل جميع جوانب الحياة، هو يُعد دور كل فرد في المجتمع، حيث يكون الشخص صالحًا إذا أدى عمله بإحسان وإتقان وكان نافعًا للغير، إذا أدرك الناس أن العمل الصالح يتجاوز أداء الطقوس الدينية ليشمل جميع أعمالهم في الحياة، لكانوا حريصين على أداء أعمالهم بنزاهة وإتقان.
كما ينتقد دراز الفهم التقليدي للأعمال الصالحة الذي اختزلها في مجموعة من الطقوس الدينية. يشير إلى أن هذا الفهم ناتج عن تأثير الفقهاء الذين أساءوا استخدام الروايات لتضليل الناس. يضيف أن هؤلاء الفقهاء استخدموا هذه الروايات لتبرير التفسيرات التي تتناقض مع روح القرآن. يرى أن التمسك بالقرآن وحده هو السبيل لفهم صحيح للأعمال الصالحة، وأن الكتب والروايات التي شوّهت هذا المفهوم يجب أن تُرفض.
ويشدد دراز على أن الإسلام دين شامل، جاء ليعلم الناس كيف يعيشون حياتهم بأكملها، وليس فقط في أداء العبادات. يؤكد أن الأعمال الصالحة هي كل ما يساهم في إصلاح المجتمع وتحقيق العدل والسلام. يدعو الناس إلى التفكير في دورهم في المجتمع وكيف يمكنهم تحقيق النفع العام من خلال أعمالهم اليومية. يشير إلى أن الأهمية الحقيقية للأعمال الصالحة تكمن في إسهامها في بناء مجتمع سليم وعادل.
وفي ذات السياق يرى دراز أن الفهم الصحيح للإسلام يتطلب التخلص من تأثير الفقهاء الذين استغلوا الدين لمصالحهم الشخصية. يشير إلى أن هؤلاء الفقهاء قد أدخلوا مفاهيم مغلوطة ومشوهة للإسلام من خلال الروايات الملفقة. يؤكد أن القرآن هو المصدر الوحيد الذي يجب أن يُرجع إليه لفهم الإسلام بشكل صحيح، وأن كل ما يتعارض مع تعاليمه يجب أن يُرفض.
ويدعو دراز إلى التحرر من الأفكار التي أدخلها الفقهاء التقليديون والتي أدت إلى تشويه فهم الإسلام. يؤكد أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يحتوي على الهداية الحقيقية، وأن كل ما عداه من كتب وروايات يجب أن يُحرق لأنها شوهت مفهوم الدين وجعلت الناس ينحرفون عن الطريق الصحيح. يعتبر أن العودة إلى القرآن هي السبيل الوحيد لإنقاذ الأمة وإعادة فهمها الصحيح للإسلام.
وفي ختام رده، يوجه دراز رسالة إلى المسلمين بضرورة التمسك بالقرآن وحده كمصدر للهداية. ويشدد على أن العمل الصالح هو جوهر الإسلام، وأنه يتضمن كل ما يؤدي إلى نفع الناس وإصلاح المجتمع. يدعو إلى التحرر من تأثير الفقهاء الذين شوّهوا مفهوم الأعمال الصالحة، والتركيز على تطبيق القيم القرآنية في حياتنا اليومية لتحقيق مجتمع عادل ومتطور.