نستعرض لحضراتكم كتاب التجديد والتحريم والتأويل للكاتب نصر حامد ابو زيد والذي حاول فيه الحث علي ضرورة تجديد الفكر الديني وتحرير العقل من التزمت والنزعة الأصولية عن طريق صياغة قرأه معاصرة متجددة وهو ما يتفق فيه مع المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي حين قال في كتابه المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي “إنّ الأمةَ الإسلاميةَ تواجهُ محنةً شديدةَ الخطورةِ حيثُ استطاعَ الأشرارُ أن يدسّوا رواياتٍ كاذبةً حاقدةً على دينِ الإسلامِ تَنزعُ مِنه العدلَ والرحمةَ والسلامَ والمحبةَ والتعاونَ لِتَحُلّ بدلاً من تلكَ الَقيمِ الانسانيةِ النبيلةِ الكراهيةُ والتعصبُ والقسوةُ والقتلُ والاعتداءُ الصارخُ على الأبرياءِ والإساءةُ إلى كتابِ اللهِ الكريمِ والاساءةُ إلى رسولهِ صلوات ربي عليه وتحولّت إلى مناهج تعليمية في كُتبٍ مجهولةِ المرجعِ تُدّرس في الجامعات الإسلاميةِ حتى اليوم تُفِرّخُ للعالمِ الاسلاميِ مُجرمينَ وقَتَلةً وإرهابيين أمثالَ (داعش وجبهةِ النصرةِ والقاعدةِ والسلفية الجهاديــة والتكفير والهجرة والإخوان المسلمين وغيرهم والبقية تأتي) .
أولئك الذين شوّهوا بسوء قصد صورة الإسلامِ في العالمِ وما تحملهُ من مباديءِ الرحمةِ والعدلِ للإنسانيةِ جَمعاء متجاهلين كذلك وعن عمد واضح كل ما جاء في كتاب الله تعالى من توجيهات واضحة باتباع المنهج الإلهي وحده دون غيره، لكي يتحقق تصويب الخطاب الديني. وبما أن الله سبحانه وتعالى يخاطب العقل الإنساني ولا يخاطب طبقة علماء الدين أو الكهنة أو الأئمة الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الدين واختزلوا معرفة مراد الله من آياته يتطلب الأمر دعوة المفكرين والعلماء في مختلف التخصصات التي ذكرت في القرآن الكريم لاستنباط فقه جديد وتشريع يتفق مع القرآن الكريم في الحرية والعدل والمساواة والرحمة والتعاون بين كل الناس في كل المجتمعات الإنسانية ويسعى لتصحيح مفاهيم الإسلام العظيمة التي استطاع الطغاة والجهلة واليهود والمجوس طمس تعاليم الإسلام وتشويه صورته خاصة بعد ظهور فرق الإرهاب الجديدة امثــال داعش والاخوان وغيـرهم الذين استباحوا حق الحياة للأبــرياء حتى أصبح شعار (الله اكبر) يختفي وراءه انتحاري يتفجر في المسالمين من المواطنين لتنتشر دماؤهم وتمزق أجسادهم ظلما وعدوانا ، إنها أمانة في أعناقنا أمام الله لتصحيح المسار الذي حاد عن رسالة السماء منذ أربعة عشر قرنا حتى تستطيع رسالة الإسلام وما تضمنته من تشريعات أساسها العدل والرحمة والسلام والمساواة بين جميع البشر إضافة إلى ما تدعو إليه بالتمسك بالقيم السامية والأخلاق الراقية لتكـــون قاطرة الحضارة الإنسانيه وإنقاذها من دعاة الشر ومن جشع المال ومن استعباد البشر ومن أطماع اللصوص الذين استباحوا كل المحرمات وداسوا على كل الشرائع السماوية فأصبحوا وحوشا كاسرة فقدوا البصيرة ومات لديها الضمير مما يشكلون خطورة على مستقبل الحضاره الإنسانية. ويكون البحث في مرجعية إلهية واحدة وهي القرآن الكريم، حيث قال الله سبحانه وتعالى:
(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الأنعام38).
تؤكد هذه الآية أن القرآن الكريم وضع مبادئ العدالة والسلام لكل عباده ليكون المصدر الوحيد لاستنباط التشريع في كل عصر وليكون صالحا لكل زمان ومكان.
إن أقصرَ الطرقِ من أجلِ تحصينِ أمتّنا العربيةَ والإسلاميةِ، وسدِّ كلِّ الذرائعِ التي تمَّ توظيفُها علىَ مدىَ قرون عِدّة، لتفريقِ المسلمينَ شيّعَاً وأحزابَاً ومذاهبَ شتّى، هو العودةُ لكتابِ اللهِ الذي أنزله هدى ورحمةً وتعاونا وعدلاً وسلاماً للناس أجمعين ، عسىَ اللهُ أن يرحمَنا ويهديَنا سبيلَ الحقِّ والرشادِ
وهو ما يؤكد علية نصر حامد أبو زيد في كتابه حين قال “تظهر الحاجة إلى التجديد عندما تتأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعيّة. فتدخل الأمة في حالةٍ من الركود واجترار إنجازات وانتصارات الماضي هرباً من انكسارات وخيبات الحاضر والتجديد عملية تواصل خلاق بين الماضي والحاضر فهو خروخ من التقليد الأعمى وإعادة إنتاج الماضي باسم الأصالة، وتحرر من التبعية الفكرية للغرب باسم التطور.
ويقول أبو زيد ظهرت في القرن التاسع عشر واستقرت في القرن العشرين قناعة بأن مجتمعاتنا دخلت مرحلة الحداثة بسبب التغير الكبير الذي حدث في البنية السياسية وبدايات تشكل الدولة الحديثة. ولكن الهزيمة المدوّية في حرب عام 1967 أظهرت أن مجتمعاتنا ما نزال مجتمعات تقليدية، وأن البات اتخاذ القرارات آليات غير مؤسساتية تابعة لرغبة القائد. استوجب ذلك إعادة قراءة التراث ليس بهدف التقليد وإعادة الإحياء بل يهدف النقد واستخلاص النتائج وفق رؤيةٍ حداثية
حث يقول الكاتب ان الجماعات السياسيّة وأنظمة الحكم المستبدة تقوم بمحاولة توظيف الدين لتحقيق غايات شخصية أو حزبية مستغلة تدخل الدين في كل مجالات الحياة، فتعمل على السيطرة على الشعوب من خلال التحالف مع أو الضغط على رجال الدين يتولّد الخطر هنا من أن يؤدي خلط الدين بالسلطة إلى تحميل الدين مسؤولية الظلم السياسي. كما حدث سابقاً عندما تسببت مماربيات الكنيسة الضرر للدين المسيحي في أوروبا، لذلك يجب أن يدخل التنوير وإعمال العقل في كل المسائل الدينية المحرّم على العقل الغوص فيها من أجل تحريرها من سيطرة الفقهاء وهدم الجدار الذي يحاولون تشييده بين العامة والخاصة.
ويري أبو زيد إن محاولة نسب التخلّف الاجتماعي إلى مشكلة في بنية العقل الإسلامي بمعزل عن الظروف الاجتماعية والتطورات التاريخية تفتقر إلى الصحة والعقلانيّة، لأنّ السبب الحقيقي يكمن في تفشي الجهل والظلم الاجتماعي والقمع السياسي. لذلك يرى نصر حامد أبو زيد أنه يجب علينا من أجل نظرةٍ نقديّةٍ متوازنة ونافعة، تأقل التاريخ الإسلامي بوصفه تاريخ المسلمين بوصفهم بشراً وليس تاريخاً مقدساً. كما لا ينبغي فصل الإسلام عن المسلمين لأن هذا الفصل يؤدي إلى رسم صورة طوباوية لدين مثالي لا يتأثر بالمتغيرات الاجتماعية.
ويضيف “يمثل التحليل النقدي ضرورة لا بديل عنها لفهم الدين بوصفه خطاباً إنسانياً ناتجاً عن البشر أنفسهم دون المساس بقدسية المصدر، وتلاحظ تبدل وتطوّر هذا الخطاب بوضوح وتفاعله مع المتغيرات خلال مراحل التأسيس الأولى. لذلك فالخطاب القرآني هو خطاب حي متفاعل يتطلّب دائماً إعادة قراءة وتأويل من جيل إلى آخر. يجب أن تتم هذه القراءة دون إغفال تأثير العوامل السياسية مثل الظلم الاجتماعي والقضايا التي تتعلّق بالصراع بين الطبقات، وتميز هذه القراءة للعوامل السياسية بين التواصل الطبيعي وعلاقات التفاعل الحتميّة وبين محاولات استغلال الدين وتوظيفه سياسياً.