نستعرض اليوم كتاب “فقه بناء الإنسان في القرآن” للدكتور “كفاح ابوهنود” يتناول الكتاب بناء الإنسان من منظور قرآني، حيث يرى المؤلف أن القرآن اهتم ببناء الإنسان من جوانبه المختلفة الجسدية والعقلية والروحية والاجتماعية والخلقية.
وهو ما يتفق ما قاله المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في كتبه ” لكي نجعل القرآن يحقق للإنسان ما يتمناه من جلاء الهموم وذهاب الأحزان ويجعل في القلوب نورًا للناس في كل زمان، يتطلب ذلك جهاد النفس والانتصار على الشيطان بالتمسك بآيات القرآن قولًا وعملًا، وإنه جهاد عظيم للانتصار على النفس وشهواتها وحب الدنيا وأطماعها والإيمان باليقين المطلق بأن الله اللطيف الخبير والقدير مرجعنا؛ نراقبه في كل خطوة ونستغفره عند كل زلة، ونلجأ إليه عند كل خوف أو فزع ونعتمد على وعده سبحانه في قوله: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)» (فصلت).
وقال سبحانه يخاطب رسوله الكريم: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا» (الكهف : 110)
فليس بالتمنيات والأقوال والدعاء يستجيب لنا الله وإنما بالعمل الصالح الذي يعتمد على تطبيق كامل لكل التشريعات الإلهية التي حملتها الآيات، والعمل بآداب القرآن وأخلاقياته وقيمه النبيلة السامية، بدءًا من الرحمة والعدل والإحسان والدفع بالتي هي أحسن واحترام حقوق الإنسان وحماية حقه في الحياة وتحريم قتله ظلمًا، والإحسان للفقراء والعفو عن المسئ وتحريم الظلم بين الناس وعدم الاستعلاء على خلق الله سواءً بالمال أو بالمركز أو بالدين، وتوظيفه في خدمة الذات والجشع وحب الدنيا وخداع الناس والارتقاء إلى مستوى عُبَّاد الرحمن الذين رضي الله عنهم؛ اهتدوا إلى الطريق المستقيم، يتعاملون مع الناس بالكلمة الطيبة ويستغفرون للذين أساؤوا إليهم متخذين التسامح سبيلًا.
والتعاون بين الناس سلوكًا والبر طريقة حياة كما قال سبحانه: «لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» (البقرة : 177).
وهو ما اكد عليه الكتاب حيث يبدأ الكتاب بالحديث عن خلق الإنسان ومراحل تكوينه الجنيني، ويشير إلى أن الله خلق آدم من طين ثم أكرمه ونفخ فيه من روحه. ثم يتحدث عن مراحل خلق الجنين المذكورة في القرآن، من نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم تكوين العظام ثم تسويتها باللحم. ويوضح الكتاب أن القرآن أشار إلى أن الله يقول للملائكة “إني خالق بشراً من طين” عندما يبلغ الجنين مرحلة نفخ الروح ، كما يشير إلى أن القرآن ذكر أن الله يرزق الجنين في بطن أمه ويقدر سمعه وبصره وجلده ولحمه وعظامه. وهكذا يوضح الكتاب كيف تناول القرآن مراحل خلق الإنسان بدقة وتفصيل دون الخوض في التشريح العلمي.
ثم يتطرق إلى النواحي النفسية والعقلية من خلال شرح مفهوم الروح والعقل والقلب في القرآن، فقد ذكر القرآن أن الله خلق آدم ونفخ فيه من روحه، فالروح من أمر الله. وأشار إلى أن الملائكة يسألون الله عند نفخ الروح في الجنين. كما بيّن أن الروح مسؤولة عن الحياة الدنيا، بينما النفس مسؤولة عن الآخرة ، فالعقل بسب الكتاب هو منبع المعرفة والإدراك، والقرآن حثّ على استخدامه في التفكر والاعتبار ، كما ذم القرآن من لا يستخدم عقله في أمور الدين ويقلد آباءه أعمى، واما القلب فهو مركز الإدراك الروحي ومصدر الإيمان، فالإيمان يكون بالقلب أولاً. والقلب يتلقى الهدى من الله ويفقه القرآن والحكمة ، كما أن تزكية النفس وتطهيرها مرتبط بتطهير القلب من الشرك والنفاق ، وهكذا فالروح والعقل والقلب تشكل معاً جوانب متكاملة في بناء الإنسان حسب رؤية القرآن.
كما يتحدث عن تزكية النفس وتهذيبها يتناول الكتاب مفهوم تزكية النفس وتهذيبها فيشير إلى أن القرآن حثّ على تزكية النفس وتطهيرها من الأخلاق السيئة والأفكار المنحرفة وذكر أن تزكية النفس تتم عبر الإيمان والعمل الصالح والتوكل على الله، كما أنها تتطلب جهاد النفس وكبح شهواتها وميولها الشريرة ومن أبرز الوسائل لتزكية النفس الصلاة والصيام وتلاوة القرآن والذكر، أما تهذيب النفس فيتم عبر تعلم العلم النافع واكتساب الأخلاق الفاضلة ومحاسبة النفس، والقرآن حذر من اتباع الهوى والتقليد الأعمى، لأن ذلك يؤدي إلى تدنيس النفس بالرذائل، وأكد أن النجاة والفلاح مرهون بتطهير النفس وتزكيتها والارتقاء بها إلى مستوى الإيمان والأخلاق الفاضلة وهكذا يبرز الكتاب الجانب التربوي والتهذيبي في القرآن المتعلق بتزكية النفس وتطويرها فيشير إلى أن القرآن حثّ على تزكية النفس وتطهيرها من الأخلاق السيئة والأفكار المنحرفة، وذكر أن تزكية النفس تتم عبر الإيمان والعمل الصالح والتوكل على الله، كما أنها تتطلب جهاد النفس وكبح شهواتها وميولها الشريرة ويوضح ان من أبرز الوسائل لتزكية النفس الصلاة والصيام وتلاوة القرآن والذكر ، أما تهذيب النفس فيتم عبر تعلم العلم النافع واكتساب الأخلاق الفاضلة ومحاسبة النفس. والقرآن حذر من اتباع الهوى والتقليد الأعمى، لأن ذلك يؤدي إلى تدنيس النفس بالرذائل وأكد أن النجاة والفلاح مرهون بتطهير النفس وتزكيتها والارتقاء بها إلى مستوى الإيمان والأخلاق الفاضلة. وهكذا يبرز الكتاب الجانب التربوي والتهذيبي في القرآن المتعلق بتزكية النفس وتطويرها.
ويسلط المؤلف الضوء على الجانب الاجتماعي من خلال بيان أهمية الأسرة والمجتمع والتعاون والتكافل بين أفراده حيث يشير إلى أن القرآن أكد على أهمية الزواج وتكوين الأسرة الصالحة، فالزوجة تؤدي دوراً مهماً في استقرار الرجل. كما بيّن أهمية التراحم والمودة بين أفراد الأسرة، ووجوب رعاية حقوق كل فرد فيها. وحثّ على تنشئة الأبناء تنشئة صالحة والقيام بواجب الأمومة والأبوة على الوجه الأكمل. كما أكد القرآن على أهمية التكافل الاجتماعي والتعاون بين أفراد المجتمع. وحذر من الظلم الاجتماعي واستغلال الضعفاء، ودعا إلى إقامة العدل ونبذ التمييز. كما حث على نشر الخير والبر في المجتمع والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين. فالقرآن – كما يوضح المؤلف – اعتبر الفرد جزءًا من كل، ورسم معالم المجتمع الصالح القائم على التعاون والتراحم.
كما يتناول الجوانب الخلقية من خلال الحديث عن القيم والأخلاق الحميدة التي حث عليها القرآن. فيشير إلى الأخلاق الحميدة مثل الصدق والأمانة والوفاء وحسن الخلق وبر الوالدين وصلة الأرحام. كما يتحدث عن فضائل مثل العفو والصبر والتواضع والاعتدال وتجنب الإسراف والتقتير. ويوضح كيف حث القرآن على الإحسان وبذل المعروف وكف الأذى ونصرة المظلوم. كما بيّن أهمية المحافظة على الأمانة والوفاء بالعهود والعقود بين الناس. وذكر كيف حرم القرآن الربا والرشوة والسرقة وانتهاك حرمات الآخرين. كما حذر من سوء الظن والغيبة والنميمة وأمر بتجنب السخرية واللمز. وهكذا يلخص الكتاب القيم والمبادئ الأخلاقية التي يحث عليها القرآن ويحذر من مخالفتها لبناء مجتمع صالح. يوضح المؤلف في الخاتمة أن القرآن اهتم بكل جوانب بناء الإنسان المختلفة، وهو ما يجعل تعاليمه صالحة لكل زمان ومكان فاهتم القرآن بالجانب الروحي والأخلاقي في بناء الإنسان، وهي جوانب ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان. كما اعتنى بالجانب العقلي والمعرفي، وحث على استخدام العقل في فهم الكون والحياة، وهو أمر مطلوب في كل عصر. وأولى عناية كبيرة بالجانب الاجتماعي وأهمية التعاون والترابط بين أفراد المجتمع. واعتنى بشمولية بكل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها من جوانب بناء المجتمع. فالقرآن يقدم المبادئ والأسس الكلية التي يمكن تطبيقها في أي زمان أو مكان، مع مراعاة الظروف المحيطة وبذلك يكون القرآن كتابا جامعا لكل ما يحتاجه الإنسان لبناء نفسه ومجتمعه بشكل متوازن ومتكامل.