إن رسالة الإسلام هدفها الأسمى هداية الناس لما يصلحهم، ويحقق لهم الأمن والاستقرار والعيش الكريم. تحملت الرسالة كثيراً من الفضائل والأخلاق التي وصف الله سبحانه وتعالى بها رسوله الأمين، مثل الخُلق العظيم والرحمة والرأفة. كان الرسول ﷺ يعفو عن المسيء، ويصفح عن المخطئ، ويعطف على الضعيف، ويرق قلبه للطفل، ويحنو على الشيخ الكبير. هذه الخصال النبيلة جعلها الله مثلاً وقدوة للمسلمين ليقتدوا بها.
قال الله تعالى مخاطباً المسلمين على لسان نبيه ﷺ: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31].
يدعو الرسول ﷺ الناس ليتبعوه فيما أنزله الله عليه من شرعة ومنهاج ينظم حياتهم، ويضبط تصرفاتهم، ويحصنهم من الاعتداء على بعضهم البعض، ويعلمهم اعتماد العدل سلوكاً، والرحمة تعاملاً، والإحسان تعاطفاً فيما بينهم. ذلك ليتمكنوا من تحقيق العيش الكريم في ظل الأمن والاستقرار والسلام.
لكن المسلمين لم يتبعوا الرسول ﷺ كما أمرهم ليغفر الله تعالى لهم ذنوبهم ويسكنهم جنات النعيم في الآخرة. لم يلتزموا بما بلغهم به من التشريعات الإلهية، والعظات، والتوصيات، ولم يعملوا بالأحكام في الآيات التي كان ينبغي أن يسترشدوا بها في الحياة الدنيا. كما أنهم لم يتبعوا الرسول ﷺ في سلوكه وأخلاقياته في التعامل مع الناس، سواء كانوا من أقربائهم أو من الغرباء.
ومما زاد من معاناتهم، أنهم هجروا القرآن الكريم وأسقطوا من أيديهم شعلة النور التي تضيء للإنسان ظلمات الحياة وتنجيه من أهوال يوم القيامة. بدلاً من ذلك، أغوتهم الروايات فتاهوا في الظلمات، واتبعوا الشياطين ناقلي الروايات الذين تسببوا في إشعال الفتن بين الإخوة، فتقاتل الأشقاء وسالت بينهم الدماء.
نتيجة لذلك، تسببت الفتن في القطيعة بين الأرحام، وسُبيت الأرامل، وسُحق الأطفال في الزحام، وتساقط القتلى، وتفرق المسلمون إلى طوائف وفرق. تحول بعضهم إلى وحوش مفترسة، ماتت ضمائرهم، وأعرضوا عن كتاب الله، فحق عليهم غضبه.
كل ذلك كان نتائج حتمية لاتباع المسلمين الروايات بدلاً من الآيات، بالرغم من أن الله سبحانه قد أبطل ما يحتجون به مما نسبوه من أقوال كاذبة على رسوله الكريم وأطلقوا عليها الأحاديث. قال الله تعالى مستفهماً بصيغة استنكارية مخاطباً رسوله: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [الجاثية: 6].
إنها جريمة مكتملة الأركان ارتكبها أتباع الشيطان لصرف الناس عن القرآن الكريم. فبرواياتهم المزورة، خلقوا التباساً خطيراً لدى المسلمين، وفرّقوهم إلى شيع وأحزاب يضرب بعضهم أعناق بعض، وألبسوا دينهم الشك وزرعوا الريبة في رسالة الله.
كما عمت الحيرة عقول المفكرين، وهم يترددون بين كلام الله في القرآن الكريم، بآياته المنيرة التي توضح الأهداف السامية وتشريعات الخير، وبين أقاويل أتباع الشيطان ورواياتهم التي حملت الفتاوى والتفاسير المحرفة.
لقد دفعت هذه الروايات الناس إلى اتباع طريق الشر الذي تحكمه الأهواء والطمع في الدنيا، فزرعوا الشقاق، وشوهوا القيم الأخلاقية، وأضلوا طريق الخير الذي رسمه الله سبحانه في كتابه الكريم.
فزرعوا الشقاق وشوهوا قيم الأخلاق، وتحولت النفوس برواياتهم إلى وحوش مفترسة تعشق الدم، وتستمتع بالتدمير والهدم. فقدت هذه النفوس الضمير، ونشرت الفتن، وضيعت السلام، وصنعت الفزع والخوف لدى الآمنين. وتسببت في تشريد المواطنين من أوطانهم، ليعانوا الجوع والعطش وفقدان المأوى الآمن. ترى وجوههم مكفهرة، وخطابهم ممزوجاً بالحقد الأسود والكراهية، يكفرون الناس ويتهمونهم بالردة.
تحولوا بواسطة الروايات إلى وكلاء عن الله تعالى في الأرض، يرتكبون الآثام والمعاصي، وأتباعهم يقطعون الأعناق بدم بارد، لا يخشون الله ولا عقابه يوم الدين. والله يرشد الناس لمن يتبع قرآنه بقوله سبحانه: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة: 16]. ثم يقول سبحانه: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: 3].
يأمرهم الله باتباع آداب الرسول ﷺ والخلق العظيم الذي تحلى به في تعامله مع الناس، حيث كان باراً بهم، مراعياً لحقوقهم، حامياً للعدالة، ناشراً للسلام، مدافعاً عن المظلوم، ومجرّماً للظالمين. كان ﷺ يمد يده لكل الناس دون استثناء بسبب العقيدة أو الدين، يساعد الفقراء والمساكين، ويحترم حقوق المرأة كما جاء بها القرآن الحكيم.
القرآن أعطى المرأة مكانتها في المجتمع بعدما كانت تُعامل قبل الإسلام كالمتاع، تُورَّث كما يورث المال والعقار. وإذا وُلدت بنت للأب، اشمأز منها واعتبرها نذير شؤم، فدفنها حية. كانت المرأة مسلوبة الإرادة، وليس لها حقوق. فجاء محمد ﷺ يحمل للناس في كتاب الله الذي أنزله عليه ما يعطي المرأة جميع حقوقها، ويساويها بالذكور، وجعلها شريكة مع الرجل في تقاسم المسؤولية ورعاية الأبناء.
وقد أعطت التشريعات الإلهية للمرأة كل حقوقها دون نقصان، ومنحتها التقدير والاحترام، وحمّلت الزوج مسؤولية القوامة على المرأة لحمايتها والإنفاق على الأسرة من تأمين السكن والغذاء والملبس وغيرها من الحقوق التي كانت مستباحة قبل الإسلام.
للأسف، بعد وفاة الرسول ﷺ بمائتي عام، جاء أصحاب الروايات ينقلون أقاويل أطلقوا عليها الأحاديث، اختلاقاً وبهتاناً منسوبة إلى الرسول ﷺ. وضعوا فيها أحكاماً وتشريعات لا تراعي حقوق المرأة كما جاء بها القرآن الكريم، ونصبوا أنفسهم حماة لحقوق الذكور، متجاهلين ومتعامين عن التشريع الإلهي الذي أنصف المرأة في الكتاب الحكيم.
فأعادوا المرأة إلى المربع الأول كما كانت في الجاهلية، مستعبدة، مهمتها إمتاع الناس والطاعة العمياء لسيدها المتحكم فيها، يسوقها كما تساق الماعز. انصرف الناس عن كتاب الله وتشريعاته التي وضعت قواعد لتنظيم العلاقة بين الزوج والزوجة بالعدل والإنصاف، وأكدت مكانة المرأة في المجتمع الإنساني بكل حقوقها التي نصت عليها آيات القرآن العظيم.
قال الله سبحانه مخاطباً المسلمين: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 3].
لو أن المسلمين اتبعوا ما وضعه الله من تشريعات تكفل حقوق الزوجين لما كثر الطلاق، ولما حدثت المشاحنات، ولما نشب الخلاف بين الزوجين، الذي يؤدي في ساعة الغضب إلى هدم بنيان الأسرة وتشتت الأطفال في طريق الضياع. يحدث ذلك بمجرد أن يلفظ الزوج كلمة “أنت طالق” دون احترام لحقوق الزوجة الزوجية أو حقوقها الإنسانية.
قال الله سبحانه مبيناً للناس أنهم جميعاً خُلقوا من نفس واحدة، وكلهم متساوون أمام الله، لكل منهم دوره في الحياة يُحاسب على أعماله: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97].