في تعقيبه على مقال “بين المذاهب والسياسة” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، أكد الباحث التونسي محمد زهاي على أهمية الطرح الذي قدمه الشرفاء حول ضرورة العودة إلى الخطاب الإلهي المتمثل في القرآن الكريم، مشيراً إلى أن هذه العودة تمثل أساساً صلباً لاستقامة العقيدة الإسلامية.
وجاء في مقال الشرفاء دعوة لوقف استخدام مصطلح “الخطاب الديني”، مبيناً أن النصوص الإلهية هي التي تحمل رسالة الإسلام الحقيقية للناس. ودعا الشرفاء إلى استعادة لحظات تاريخية حين كان النبي محمد ﷺ يتلو آيات القرآن الكريم ويعلم الناس الحكمة والتشريعات الإلهية، بعيداً عن التحريفات البشرية والمذاهب المتصارعة.
وفي هذا السياق، أشار محمد زهاي إلى أن فكرة العودة إلى النصوص القرآنية باعتبارها المصدر الأصلي للإسلام تستحق التقدير، لكنه نوه إلى بعض النقاط التي تستدعي المناقشة.
أكد زهاي على أن النصوص القرآنية تخضع لتفسيرات متعددة باختلاف الفقهاء والعلماء عبر العصور، وأن هذه التفسيرات جزء لا يتجزأ من التراث الإسلامي. شدد زهاي على أن العصر الحديث يتطلب تجديداً للخطاب الديني ليتواكب مع التغيرات الاجتماعية والسياسية والتكنولوجية، مضيفاً أن العودة إلى النصوص القرآنية وحدها قد لا تكون كافية لمواجهة هذه التحديات. أوضح زهاي أن التركيز يجب أن يكون على تعليم الناس كيفية التعامل مع النصوص الدينية بشكل نقدي وعلمي، مع توعيتهم بأهمية السياق التاريخي والثقافي للنصوص.
أكد زهاي على أن الإسلام دين الوسطية والاعتدال، مما يتطلب توازناً بين الحفاظ على النصوص الأصلية وتطوير فهم حديث يتماشى مع متطلبات العصر.
وأضاف زهاي أن المؤسسات الدينية تلعب دوراً حاسماً في توجيه الخطاب الديني وتطويره.
وأشار إلى ضرورة أن تعمل هذه المؤسسات على تعزيز الوعي الديني الصحيح وتقديم إرشادات قائمة على الفهم العميق للنصوص القرآنية، بدلاً من التفسيرات المتطرفة التي قد تؤدي إلى الفرقة والاختلاف.
كما تناول زهاي التأثير الاجتماعي للخطاب الديني، موضحاً أن الخطاب المتجدد الذي يعتمد على القيم القرآنية يمكن أن يساهم بشكل كبير في حل العديد من المشكلات الاجتماعية المعاصرة. وذكر أن الخطاب الديني ينبغي أن يعزز قيم التسامح والتعايش السلمي بين مختلف الطوائف والمجتمعات.
في هذا الإطار، يؤكد زهاي على ضرورة تكثيف الجهود الأكاديمية والبحثية لفهم النصوص القرآنية في سياقها التاريخي والاجتماعي، وذلك بهدف تقديم تفسير عصري يلبي احتياجات المسلمين اليوم. يشير زهاي إلى أن العديد من الأزمات الفكرية والاجتماعية التي تواجه المجتمعات الإسلامية نابعة من عدم مواكبة التفسيرات التقليدية للتطورات الحديثة. وبالتالي، فإن إعادة قراءة النصوص القرآنية من منظور عصري تعتبر خطوة ضرورية لتجديد الفكر الديني.
علاوة على ذلك، يدعو زهاي إلى تعزيز دور الشباب في عملية تجديد الخطاب الديني. مؤكدا أن الشباب هم الفئة الأكثر تأثراً بالتغيرات الاجتماعية والثقافية، ومن المهم أن يكون لهم دور فعال في صياغة فهم جديد للنصوص الدينية يتماشى مع تطلعاتهم واحتياجاتهم. يشدد زهاي على أن إشراك الشباب في الحوار الديني وتوفير بيئة تعليمية تحفز التفكير النقدي والإبداعي يمكن أن يساهم بشكل كبير في تطوير خطاب ديني مستنير وشامل.
كما يرى زهاي أن الخطاب الديني يجب أن يكون شاملاً ومعززاً للوحدة بين المسلمين، بعيداً عن التفرقة المذهبية والطائفية. يشير إلى أن الإسلام، في جوهره، دين يدعو إلى الوحدة والتآخي بين الناس، وأن الخطاب الديني المتجدد يجب أن يعكس هذه القيم الأساسية. من خلال التركيز على القواسم المشتركة وتعزيز القيم الإنسانية والروحية، يمكن للخطاب الديني أن يكون قوة دافعة لتحقيق السلام والاستقرار في المجتمعات الإسلامية والعالم بأسره.
اختتم زهاي تعليقه بالدعوة إلى حوار مفتوح وشامل بين العلماء والمفكرين من مختلف التوجهات الإسلامية. وأكد أن مثل هذا الحوار يمكن أن يؤدي إلى توحيد الجهود في مواجهة التحديات المشتركة، وتحقيق فهم أعمق للنصوص القرآنية بما يخدم مصلحة الأمة الإسلامية بشكل عام. وختم محمد زهاي تعليقه بالتأكيد على أن دعوة علي محمد الشرفاء الحمادي للعودة إلى الخطاب الإلهي تستحق النظر والتأمل، مشيراً إلى أن تحقيق التوازن بين النصوص القرآنية وتطوير خطاب ديني متجدد هو السبيل الأمثل لتحقيق الفهم الصحيح والشامل للإسلام وضمان الاستقرار والأمن والسلام في المجتمعات الإسلامية.