قال الباحث مصطفي النجار ردا على مقال المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي ” الأسباب الخفية وراء الانقسامات الإسلامية “، أن الشرفاء يقدم تحليلاً يستحق التقدير لدور الروايات المفبركة في إثارة الفتن بين المسلمين.
أضاف، ومع ذلك، أود أن أطرح بعض النقاط التي تستدعي المزيد من التمحيص والفحص العلمي الدقيق حيث يجب علينا جميعا أن نكون حذرين في كيفية تقديم الإدعاءات حول تأثير أي جماعة خارجية، بما في ذلك اليهود، على النزاعات الداخلية في الإسلام، مشيرا الى أن التاريخ الإسلامي معقد، والتفسيرات التي تعزو الانقسامات فقط إلى تدخلات خارجية قد تبسط القضايا الحقيقية التي واجهت الأمة الإسلامية، مثل الخلافات السياسية، الاجتماعية، والفقهية التي كان لها دور بالغ في تشكيل مسار التاريخ الإسلامي.
وفي ذات السياق أوضح النجار أنه من الضروري التمييز بين النقد التاريخي والاتهامات التي قد تؤدي إلى الإساءة أو العداء تجاه أي جماعة دينية أو عرقية، لافتا إلى أن النظريات التي تعزو التأثيرات السلبية في الإسلام إلى اليهود فقط تحتاج إلى دعم بأدلة تاريخية قوية وموثقة، لا سيما في سياق حديث يتسم بتزايد التوترات الدينية والعرقية.
وأضاف النجار أن من الأهمية بمكان أن نعيد كباحثين ومتخصصين ومتدبرين تقييم الروايات التاريخية بمنهجية نقدية، معتمدين على المصادر الأصلية والشهادات المعاصرة للأحداث التي ندرسها، وهذا يتطلب منا التحقق من الروايات المنسوبة إلى الصحابة وتقييمها في ضوء العلوم الحديثة للحديث والتاريخ، لضمان عدم تحيز تفسيراتنا للأحداث التاريخية.
وأشار النجار الى أنه من المهم أيضًا التأكيد على أهمية الحوار بين الثقافات والأديان في عصرنا هذا، ويجب أن نعمل جاهدين لفهم الآخر واحترام تنوع وجهات النظر، مع الحرص على ألا تُستخدم التفسيرات التاريخية كأداة للتفرقة بل كوسيلة لبناء جسور التفاهم. وتابع ” يمكن للعلماء والمفكرين المسلمين لعب دور مهم في هذا السياق بتعزيز نهج شامل يقوم على الأدلة ويحترم التنوع داخل الأمة الإسلامية وخارجها”.
وأكد على انه في الوقت نفسه، لا يمكننا إغفال الدور الذي يلعبه التعليم في تعزيز الفهم الصحيح لتاريخنا وديننا، فمن الضروري تطوير المناهج التعليمية التي تشجع على النقد العلمي وتقدم تفسيرات متوازنة للأحداث التاريخية، وهذا يتطلب التزامًا من المؤسسات التعليمية والعلماء لضمان أن يتم تربية الأجيال القادمة على الفهم الدقيق والعميق لتاريخهم الغني وتعاليم دينهم بطريقة تحافظ على السلام والتسامح.
وأوضح النجار أن تحليل الأسباب الخفية وراء الانقسامات الإسلامية يتطلب نظرة معمقة وموضوعية تجاه التاريخ الإسلامي وتفاعلاته مع الثقافات والأديان الأخرى عبر العصور، ولا يمكن فصل الأحداث التاريخية عن سياقها الاجتماعي والسياسي الأوسع، ومن هنا تبرز أهمية الدراسات التي تتناول هذه الأحداث بشكل يركز على الأسباب الجذرية بدلاً من الاستنتاجات المسبقة، فالتاريخ الإسلامي مثله مثل أي تاريخ آخر، مليء بالتقلبات والصراعات التي كان لها تأثير طويل الأمد على الديناميكيات الداخلية للأمة، موضحا أنه من الضروري أيضًا التمييز بين النقد البنّاء والنقد الذي يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التفرقة والفتنة، ويجب على المؤرخين والعلماء الاقتراب من الموضوعات الحساسة بحذر، مع الحفاظ على التزام صارم بالدقة التاريخية والنزاهة الأكاديمية، والهدف من هذا النوع من النقد يجب أن يكون تعزيز فهم أعمق للتاريخ الإسلامي وإلقاء الضوء على كيفية تشكيل هذه الأحداث للهوية الإسلامية الحديثة، وليس إثارة الخلافات أو تعميق الانقسامات.
وقال النجار أن الحوار المفتوح يلعب دورًا حاسمًا في التغلب على الانقسامات وبناء تفاهم مشترك من خلال تعزيز التواصل بين مختلف المذاهب الإسلامية وبين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى، يمكن تحقيق التقارب والتفاهم، وهذا النوع من الحوار يتطلب احترامًا للتنوع والاختلافات، والاستعداد للاستماع وتعلم وجهات النظر الأخرى بروح من الانفتاح والاحترام المتبادل، مما يساهم في خلق بيئة أكثر تسامحًا وتفاهمًا.
وتابع “ينبغي علينا كمسلمين أن نستلهم من القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في تعزيز وحدتنا وفهمنا لتاريخنا بطريقة تسمو على الانقسامات الطائفية أو العرقية، فالإسلام دين يدعو إلى السلام والتفاهم بين البشر جميعًا، ويجب أن تعكس تفسيراتنا للتاريخ هذه القيم النبيلة، موجها الشكر للمفكر العربي علي محمد الشرفاء على إثارته لهذا النقاش المهم، داعيا إلى مزيد من البحث والحوار البناء الذي يعزز فهمنا للتاريخ الإسلامي بدلاً من أن يثير الفرقة والانقسام.