عقب مدير التعليم الإسلامي السني بالعراق الدكتور احمد العاني على مقال المفكر العربي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي، قائلا أود أن أتناول بعض النقاط المهمة التي تطرق إليها حول دور الروايات الفارسية في خلق التفرقة بين المسلمين العرب مشيرا الي ان إيران الفارسية الصفوية اليوم تُعتبر مرجعية الشيعة، وهي تدعم التمردات والحركات الإرهابية والأذرع الشيعية في مختلف الأماكن باسم “آل البيت” والهاشمية، مدعية الأحقية بالحكم والولاية. ولكن، من أين جاء هذا الادعاء بالانتساب إلى آل البيت وما الغرض من هذا التسلل التاريخي والاجتماعي؟
وأضاف العاني انه في فترة الخلافة الراشدة، تحديدًا في عهد الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – تمكن المسلمون من إسقاط الإمبراطورية الفارسية الساسانية عام 14 هجرية الموافق لسنة 636م بقيادة سعد بن أبي وقَّاص في معركة القادسية الشهيرة. نتيجة لهذا الانتصار، كان هناك نقمة فارسية على المسلمين، مما دفع الفرس إلى التسلل إلى الدولة الإسلامية، متظاهرين بالإسلام ومخفين نفاقهم، واختلقوا وسائل الشعوبية وتشويه الثقافة الإسلامية، بما في ذلك الادعاء بالانتساب إلى النسب الهاشمي والتشيع.
كما أوضح العاني ان الفرس تسللوا إلى الدواوين والمجالات العلمية المختلفة، واستغلوا مواقعهم لتمرير أفكار مشوهة عن الإسلام وشخصياته البارزة. لم يسلم من تشويهاتهم حتى كُتاب السيرة النبوية، حيث أدخلوا روايات تتعارض مع تعاليم الإسلام الواردة في القرآن والسنة، مما أدى إلى تدوين العديد من الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
وقال العاني ، وضع الفرس خطة ذكية لتحقيق أهدافهم تقوم على تصوير النبي (صلى الله عليه وسلم) والإمام علي كمؤمنين بنقاوة الدم والعرق، وتبجيل العنصر الفارسي وخاصة الأسرة الساسانية من خلال روايات مختلقة. هذه الروايات، وفقًا لرأي الدكتور علي شريعتي، أصبحت فيما بعد مصادر يعتمد عليها كبار مراجع الشيعة مثل الكافي، الصدوق، والمفيد. ومن هذه الروايات الأسطورة المتعلقة بزواج الحسين من شهربانو، التي تناولها الكاتب صباح الموسوي في مقاله “زواج الحسين بابنة كسرى بين الحقيقة والأسطورة” في ديوان العرب.
كما تناول الدكتور أحمد العاني محاولات الفرس التسلل إلى نسب الحسين بن علي بن أبي طالب من خلال ثلاث طرق رئيسية، مسلطًا الضوء على تزييف تاريخي خطير تروج له بعض المصادر الفارسية.
وأشار الدكتور العاني إلى الادعاء بأن الحسين بن علي تزوج إحدى بنات كسرى يزدجرد، التي ولدت له علي بن الحسين، مؤكداً أن هذه القصة مختلقة بالكامل.
وبحسب الدكتور العاني، كان أول من روى هذه القصة من المحدثين الشعوبيين الفرس إبراهيم بن إسحاق النهاوندي وعمرو بن شمر وعبيد بن كثير بن محمد الكوفي. هؤلاء الثلاثة هم رواة أسطورة زواج الإمام الحسين من ابنة يزدجرد الثالث، “شهربانويه”.
وتناول الدكتور العاني رد الباحث الإيراني الدكتور سعيد نفيسي في كتابه “تاريخ إيران الاجتماعي”، حيث أكد أن يزدجرد الثالث لم يكن لديه بنت باسم “شهربانو”، مما ينفي إمكانية وجود هذا الزواج. كما أضاف أن يزدجرد في فترة خلافة عمر بن الخطاب كان عمره 15 عامًا فقط، فكيف يمكن أن يكون لديه ابنة بعمر الزواج؟
وأوضح الدكتور العاني أن المؤرخين السنة نقلوا القصة دون تمحيص. أول من رواها كان الزمخشري في كتابه “ربيع الأبرار”، ومن ثم تبعه مؤرخون آخرون مثل ابن كثير في “البداية والنهاية”، والصفدي في “الوافي بالوفيات”، واليافعي في “مرآة الجنان”. لكن المبرد، الذي عاش قبل الزمخشري، ذكر في كتابه “الكامل” أن أم علي بن الحسين كانت تسمى “سلافة”، معروفة بنسبها العربي، دون الإشارة إلى أي صلة بملوك الفرس.
واستند الدكتور العاني إلى أدلة تاريخية قوية لتفنيد هذا الادعاء. فالحسين بن علي كان عمره 10 سنوات فقط عند فتح فارس، فكيف يمكن أن يتزوج من ابنة كسرى؟ كما أن محمد بن أبي بكر، الذي قيل إنه تزوج البنت الأخرى، كان عمره أربع سنوات فقط عند فتح فارس، مما يجعل زواجهما من بنات كسرى مستحيلاً.
وأضاف الدكتور العاني أن المؤرخين ذكروا أن كسرى يزدجرد كان يهرب مع أهله من جيوش المسلمين، حتى قُتل في مدينة مرو الفارسية. وأورد ابن كثير في “البداية والنهاية” تفاصيل هروب يزدجرد من مدينة إلى أخرى، مصطحبًا النار التي يعبدها معه، مما يشير إلى أنه لم يكن هناك مجال لزواج بناته من المسلمين.
أكد الدكتور العاني أن هذه الادعاءات تهدف إلى خلق صلات غير حقيقية بين الفرس وآل البيت، مشددًا على أهمية التمحيص التاريخي والاعتماد على الأدلة القاطعة لدحض هذه الأكاذيب. وأوضح أن هذا التزييف يمثل جزءًا من محاولات مستمرة للتلاعب بالتاريخ الإسلامي.
يظهر من هذه التحليلات أن الهدف الفارسي كان ولا يزال زرع الفتنة والشقاق بين صفوف المسلمين عبر التلاعب بالروايات الدينية والتاريخية، مما يتطلب منا كمسلمين البحث عن الحقيقة والتمسك بتعاليم الإسلام النقية لمواجهة هذه المحاولات التخريبية.