يأتي مقال المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي بعنوان “الرسالة الإسلامية بين الوضوح القرآني والغموض المفتعل”، ليوضح لنا جميعا دعوة صادقة إلى العودة إلى القرآن الكريم باعتباره المصدر الأساسي والوحيد للتشريع الإسلامي.
وتعد هذه الدعوة ليست مجرد طرح فكري، بل هي محاولة جادة لتصحيح المسار الذي انحرف بفعل الاعتماد غير النقدي على الروايات، بعضها ضعيف وبعضها الآخر يحمل تناقضًا واضحًا مع نصوص القرآن الكريم ومقاصده السامية.
يرى الشرفاء أن القرآن الكريم يمثل الرسالة الإلهية المكتملة، التي جاء بها النبي محمد ﷺ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وتحقيق العدل والسلام بين البشر. يركز الشرفاء على أن القرآن ليس مجرد نص ديني، بل هو نظام شامل للحياة يحمل في طياته القيم والمبادئ التي تهدف إلى بناء مجتمع قائم على العدل والرحمة والمساواة.
حيث ويؤكد أن هذه الرسالة الإلهية هي كافية وحدها لتوجيه البشرية، بعيدًا عن التشويش الذي أحدثته الروايات والموروثات البشرية.
، كما يرى الشرفاء، ان السنة النبوية تلعب دورًا هامًا في فهم القرآن وتوضيح مقاصده، ولكن بشرط أن تكون منسجمة تمامًا مع نصوص القرآن الكريم.
فالسنة النبوية الحقيقية هي تلك التي تتطابق مع القيم القرآنية وتعززها، ولا تحمل أي تناقض معها. أما الروايات التي تتعارض مع روح الإسلام أو تدعو إلى العنف والإرهاب، فلا يمكن أن تكون جزءًا من الدين بأي حال. هذه النقطة تحديدًا تبرز أهمية المراجعة النقدية للروايات، وتنقيتها من كل ما يشوه الرسالة الإسلامية أو يسيء فهمها.
وهنا يجب الإشارة الي ان الاعتماد غير النقدي على المرويات في التشريع أدى إلى آثار خطيرة، سواء على مستوى الفكر الديني أو الممارسة الاجتماعية. بعض هذه الروايات، التي افتقرت إلى الأساس القرآني، أضفت شرعية دينية على ممارسات تنتهك حقوق الإنسان، مثل التمييز ضد المرأة أو الأقليات، وشرعت للعنف باسم الدين.
هذه الممارسات لا تتفق مع روح الإسلام التي تدعو إلى كرامة الإنسان وتكريمه، كما يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}. هذا التناقض بين بعض الروايات والنصوص القرآنية أثّر بشكل سلبي على صورة الإسلام عالميًا، مما أدى إلى تصاعد النقد الموجه إليه كدين يدعو للسلام والرحمة.
من جهة أخرى، كانت هذه الروايات بمثابة أداة استُغلت من قبل الجماعات المتطرفة لتبرير أعمال العنف والإرهاب. الخطاب الذي تتبناه هذه الجماعات يعتمد على انتقاء روايات معينة، تتحدث عن الصراع والعقاب، مع تجاهل الآيات القرآنية التي تدعو إلى السلم ونبذ العدوان. هذه الجماعات أسهمت في خلق تصور عدواني للإسلام، مما أدى إلى تزايد العداء تجاهه وربط الدين بالعنف. في المقابل، القرآن الكريم ينص بوضوح على حرمة النفس البشرية، كما في قوله تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}.
إن رؤية الشرفاء تنطلق من ضرورة العودة إلى القرآن كمصدر وحيد للتشريع، وهو طرح يعكس فهمًا عميقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية. يوضح أن الإسلام دين عالمي جاء لتحقيق السلام والعدل، وأن أي تفسير أو تأويل يخالف هذه القيم لا يمكن أن يُعتبر جزءًا من الدين. يدعو الشرفاء إلى تبني منهج نقدي صارم في التعامل مع المرويات، بحيث يتم إخضاعها لمعيار قرآني يضمن توافقها مع النصوص الإلهية.
هذه الرؤية لا تعني إقصاء السنة النبوية، بل تهدف إلى وضعها في سياقها الصحيح كوسيلة لفهم النصوص القرآنية وتوضيحها، لا كمصدر مستقل للتشريع. السنة النبوية الحقيقية، كما يؤكد الشرفاء، يجب أن تكون انعكاسًا لتعاليم القرآن وقيمه، وليست متناقضة معها. ما عدا ذلك، فإنه يجب تنقيته وإبعاده عن دائرة التشريع.
تتطلب العودة إلى القرآن مراجعة شاملة للموروث الديني، وتنقيته من كل ما يتعارض مع قيم الإسلام الحقيقية. هذه الخطوة ليست مجرد عملية إصلاح فكري، بل هي ضرورة لإعادة بناء الخطاب الديني بشكل يعزز من مكانة الإسلام كدين عالمي يدعو للسلام والرحمة. القرآن الكريم يحمل في نصوصه كل المبادئ التي تكفل بناء مجتمع عادل ومستقر، ويقدم نظامًا شاملًا للحياة يمكن تطبيقه في أي زمان ومكان.
إن إصلاح الفكر الإسلامي لا يمكن أن يتحقق إلا بالعودة إلى النص القرآني كمرجع أساسي للتشريع، وإعادة النظر في المرويات التي شوّهت صورة الدين وأثّرت على علاقته بالعالم. هذه العودة لا تعني رفض كل التراث، بل التعامل معه بوعي نقدي يعيد تقييمه في ضوء القرآن. الإسلام كرسالة للسلام والعدل يحتاج اليوم إلى قراءة عصرية واعية، تعيد له مكانته كدين يدعو للتعايش الإنساني، بعيدًا عن العنف والتشدد. رؤية الشرفاء تمثل خطوة مهمة نحو هذا الهدف، وهي دعوة يجب أن تلقى الاهتمام والتطبيق في ظل التحديات الفكرية والحقوقية التي يواجهها العالم الإسلامي اليوم.