نستعرض اليوم كتاب ” الاستعمار أطماع واحقاد” للمفكر والداعية الإسلامي الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه والذي يتفق في كثير من جوانبه مع بعض من كتابات المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في شرح الاطماع والاحقاد التي يحاول أن يحصل عليها أو ينشرها الاستعمار في صوره المختلفة.
يقول الغزالي في كتابه إن للاستعمار أحقاد دينية، وأطماع دنيوية، وكل أهاب يغطي هذه السوءات فهو جملة أصباغ وفي هون، يجيدها ممثلو الروايات في أدوارهم الضاحكة، أو الباكية.
ويضيف ان الدنيا لم تعرف أناسا أوتوا المقدرة على إخفاء أحد النيات وراء المعسول من الكلمات كما عرفت ذلك في تجار الاستعمار الحديث.
ويشير الى إننا نحارب تيارات الإلحاد والتكفير التى تنحدر إلينا من عواصم الغرب، ونكفكف في جهد مضن موجات الفسق والمعصية التى تلطم مجتمعنا بإصرار، والتى تتحسس السدود الضعيفة لتنساب منها كى تفسد علينا ديننا وتاريخنا والله يعلم فداحة مصابنا من هذه الناحية.
ويؤكد الغزالي مثلما اكد الشرفاء إن بلاد الإسلام في أسوأ ما مر بها من ظروف ـ لم تكن طيعة لعوامل الشك والتحلل، ولا لينة أمام فنون الإغراء الجنسى، ولا مسعورة في التعلق بتراب الدنيا، ولا مصروفة عن مرضاة الله، كما زين لها ذلك كله الاستعمار الحديث … (ولا نشك أن مصابها من هذه الناحية هو الذى زين لبعض بنيها أن ينخدع بالإلحاد وأن يعتنق كثيرا أو قليلا من مبادئه السفلى … ) واذا ما بقى الاستعمار ينشب مخالبه في مقاتلنا، وينقض غزلنا كلما قويناه، ويعفى علينا الصراط كلما سلكناه.
ويقول الغزالي انه قد يأتي يوم تنهار فيه الجبهة الغربية، وتخسر في أرباحها الطائلة من أرض وأموال وهى- إشفاقا من هذا المصير- تريد أن يتعاون المسلمون معها على محاربة اعدائها وكسر شوكتهم فمن هؤلاء المسلمون الذين يلتمس الآن عونهم؟ المسلمون الذين فتنوا عن دينهم بالقهر أو بالمكر؟. وفتحت بلادهم من أقطارها ليعبث فيها الإلحاد السافر؟ وتنتشر فيها شيوعية الأعراض؟ وتتربى فيها الأجيال الجديدة وهى معرضة عن القرآن، مستهزئة بتعاليمه جاحدة لأحكامه
المسلمون الذين حكم على بعضهم بالتهويد، والآخر بالتنصير، والبقية الباقية بالضيعة والإلحاد والعوج؟ ثم وضعوا في مصايد العبودية يتحركون داخل جدرانها فحسب لا يجدون من ورائها فكاكا
ويتساءل الغزالي أهؤلاء المسلمون هم الذين يطلب الآن عونهم، وإخلاصهم في محاربة خصوم الاستعمار الغربى ذى التاريخ الناصع معهم؟؟ .. سيقال: إنهم لو تركوا الغربيين ينهزمون أمام الشيوعية فسيعم الإلحاد الأحمر الأرض كلها .. ونقول: وما الفرق بين أن يعمها الإلحاد الأحمر أو يعمها الإلحاد الأبيض؟ إن الاستعمار حكم على الإسلام بالموت، وهو الآن ينفذ حكمه في ربوعنا .. فليحض ما يشاء من حروب، فنحن ما يعنينا في انتصاره أو انهزامه إلا أن ننجو بديننا وحده!! فإذا أصابت الاستعمار الصليبى كارثة أودت به، فهو المسئول عن مصيره، أما نحن من قبل أو بعد فأبعد الناس عن أسباب هذا الصراع، وأحراهم بنفض اليدين منه .. سيقول نفر من أغنياء المسلمين وكبرائهم أن الشيوعية خطر أشد، ولابد من المسارعة إلى دفعه .. ونحن نعرف أنها خطر أشد، ولكن على ثرواتهم وسلطانهم وجاههم .. أما دين الله فقد ذاب في أهوائهم قبل أن في الشيوعية لإذابته. الشيوعية خطر .. هذه كلمة حق وهى من أفواه هؤلاء كلمة حق يراد بها استدامة منافعهم من السحت ومصالحهم من الحرام .. أما القرآن والسنة فقد دارت بهما من قبل دوامة صنعها الاستعمار الغربى، وشارك فيها عملاؤه من الساسة المرتدين، والحكام الفاسقين .. انصفوا الإسلام أولا من أنفسكم، ثم ذودوا عن عبث أوروبا وأمريكا به. فإذا سلم لنا بعد فلك فنحن أحرياء بكفاح المبادئ الهدامة. وبردها إلى مواطنها الأولى في قوة وحماس .. أما أن يجسم أمام أعيننا الخطر البعيد .. ونكلف بالتعامى عن الخطر الآخذ بخناقنا، فهذا ما يرضاه الأغبياء وحدهم ..
ويقول الشيخ محمد الغزالي إن عواطف الإلحاد الديني، والفوضى الخلقية، والاجتماعية عرفها الشرق الإسلامى في سياسة الغرب الصليبى قبل أن تتحرك نذرها من أى مكان آخر، وما نحسه من فسوق وعصيان جاء من الغرب لا من الشرق.، ونحن بإذاء ذلك، وأمام الصراع الذى يوشك أن يجتاح الدنيا لا نرى بدا من الوقوف بعيدا لنعمل في صبر ومثابرة على علاج عللنا .. واستنقاذ تراثنا، وإحياء مثلنا، والعيش في كنف ديننا الحنيف .. إن الحياد الدقيق في هذا الصراع العالمى ضرورة يفرضها علينا حرصنا على الإسلام، وحرصنا على مصالحنا المشروعة .. والانضمام إلى الغرب بعد ما استبان موقفه منا يجوز أن يوصف بأى شىء إلا بأنه حمإية للإيمان أو انتصار للحرية، اللهم إلا أن تكون حرية الجبابرة في البطش، وإيمان الوثنية بهدم التوحيد .. على أنه قد يكون من طبيعة الحياد أن تقف ساكنا بعيدا عن هذا وبعيدا عن ذاك .. وهذا حياد سلبى مريب النتائج لا نوصى به. أما الحياد الإيجابى فهو يكلفك أن تقوى خصائصك الروحية وأن تنمى مواردك المادية وأن تقبل على خاصة نفسك إقبالا يغنيك عن هذا وذاك، ويقطع آمال الفريقين في استغلالك واستتباعك. والحياد بهذا المدنى لا يكون بالنسبة لنا إلا إسلاميا محضا .. ومن العبث تصور حياد إيجابى يذهل عن الإسلام أو يستهين بربط الأمة به ودفع شئونها إليه .. بل لن يكون هذا إلا الفراغ، والطبيعة- كما يقال- تكره الفراغ، وكما يحاول الهواء الاندفاع إلى الآنية المفرغة من أى ثغرة، فستحاول التيارات الأجنبية الاندفاع إلى كل فراغ يخلفه خلو القلوب من العقيدة وخلو المجتمع من الدين .. لذلك قلنا: إن الحياد لابد أن يكون إيجابيا، أى إسلاميا لحما ودما، قوامه النهوض بحضارتنا الفذة والامتداد مع تاريخنا القديم العظيم .. وخير ما ننهى به هذا البحث قول الأستاذ حسن البنا: لقد اختفت المثل العليا تمام الاختفاء، وغابت عنا الأنظار والقلوب، تلك الأهداف الجميلة التى نادى بها هؤلاء الناس ساعة العسرة، وجندوا باسمها قوى الأمم ضد الظلم والطغيان .. فالعدالة الاجتماعية، والحريات الأربع ومبادىء ميثاق الأمم! .. إلخ. هذه القائمة الطويلة العريضة من المبادىء السامية والأهداف المغرية أصبحت في خبر كان، ولم تعد لهؤلاء الساسة والزعماء! فلسفة راقية “يقودون بتوجيهها العالم، إلا فلسفة المصالح المادية والمطامع” لاستعمارية “ومناطق النفوذ، والاستيلاء على المواد الخام .. وكل ذلك على صورة من الجشع والنهم لم تر الدنيا لها مثيلا، ولا بعد الحرب العالمية الأولى.، وأصبحت هذه المعانى وحدها، هى محور التنافس بين الدول المنتصرة، روسيا من جانب، وأمريكا وإنجلترا من جانب آخر، وإن حاولت كل منها أن تستر جشعها ومناوراتها بستار من دعوى المبادىء الاجتماعية الصالحة، والنظم الإنسانية الفاضلة باسم الشيوعية أو الديمقراطية، وليس وراء هاتين اللفظتين إلا المطامع الاستعمارية والمصالح المادية في كل مكان .. ونتيجة هذا الانحراف- الذى هو في حقيقة أمره مسخ لإنسانية بنى الإنسان- ليست إلا” الحرب الثالثة “المسلحة بالقنابل الذرية، والغازات الخانقة والأسلحة المهلكة، وما سمعنا وما لم نسمع عنه بعد من معدات الهلاك والدمار التى تمثل ما جاءت به الكتب السماوية من وصف القارعة وهول القيامة: (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث * وتكون الجبال كالعهن المنفوش) .”
هذه هى صورة الحال في وطننا الخاص، وفي وطننا العربى والإسلامى، وفي وطننا الإنسانى العام، وإذا لم تقم في الدنيا أمة “الدعوة الجديدة” تحمل رسالة الحق والسلام، فعلى الدنيا العفاء، وعلى الإنسانية السلام .. وإن من واجبنا وفي يدنا شعلة النور وقارورة الدواء، أن نتقدم لنصلح أنفسنا وندعو غيرنا، فإن نجحنا فذاك، وإلا فحسبنا أن نكون قد بلغنا الرسالة، وأدينا الأمانة، وأردنا الخير للناس- ولا يصح أبدا أن نحتقر أنفسنا، فحسب الذين يحملون الرسالات، ويقومون بالدعوات من عوامل النجاح أن يكونوا بها مؤمنين، وفي سبيلها مجاهدين، وأن يكون الزمن ينتظرها، والعالم يترقبها .. فهل من مجيب!!؟؟