قال الدكتور محمد الفقيه الباحث والمتدبر في كتاب الله ردا على مقال المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي ” الأسباب الخفية وراء الانقسامات الإسلامية” أن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن مركز الدين انتقل من القرآن إلى السُنة النبوية حيث أصبحت المرويات المنسوبة للنبي هي الدين ومن ثم انتقل مركز الدين إلى الصحابة، حيث وُصف الصحابة بأنهم كلهم عدول ومن ثم انتقل مركز الدين من الصحابة إلى كتب التفسير وكتب الفقه، لذلك ليس من الصعب على الباحث المنصف أن يجد في الروايات وأقوال الصحابة وفي كتب الفقه والتفسير مفاهيم وأحكام وتشريعات تتناقض مع ما أنزل الله في كتابه.
وتساءل الفقيه، أما آن الأوان أن نعيد للقرآن الكريم مركزيته؟ أما آن الأوان أن نجعل القرآن الكريم المعيار الرئيس في معايرة كل ما وصلنا من موروث؟
وأجاب الدكتور محمد الفقيه قائلا، الثقافة الدينية الشائعة والتي يُروج لها في كل المنابر المتاحة تهدف الى تعزيز ثقافة القول ولا تعزز ثقافة العمل والفعل، حتى أصبح يتبادر إلى الأذهان أن مفاتيح الجنة كلها مرهونة بمجموعة من الأقوال والأذكار وبعض الشعائر الدينية الظاهرة فقط .
ثم قال الفقيه حتى البرامج الدينية توظف إمكاناتها لتعزيز هذه الثقافة “ثقافة من قال”، “من قال كذا دخل الجنة، ومن قال كذا بنى الله له بيتا في الجنة، ومن قال كذا حُطت ذنوبه ولو كانت كزبد البحر، ومن قال كذا كان كالمجاهد في سبيل الله، ومن قال كذا كان له أجر من حرر مائة رقبة من ولد اسماعيل، ومن قال كذا كان له أجر شهيد، ومن قال كذا حُشر مع النبيين والشهداء، ومن قال 100 مرة له كذا وكذا، ومن قرأ سورة الواقعة فلن يصيبه الفقر، ومن قرأ آية كذا تقيه من عذاب القبر”.
وفي ذات السياق تأسف الفقيه على نسيان المسلمين التوجيهات الإلهية، قائلا “للأسف نسينا تماما التوجيهات الإلهية التي أكَدها القرآن الكريم والتي تشير بشكل واضح إلى ربط القول بالعمل وربط الإيمان بالعمل، لذلك لم ترِد آية في كتاب الله ذكرت الإيمان إلا وذكرت معه العمل مباشرة، فلا قيمة للقول مطلقا إلا بمقدار ما يعزز قيمة العمل الصالح ، وإلا لو كان الأمر متعلق بالقول فقط لما كان هناك فرق بين المنافق والمؤمن”.
يقول الفقي، كم نحن بحاجة الى أن نتثقف ثقافة قرآنية وأن نعود من جديد لقراءة رسالة ربنا التي وجهها لنا مباشرة لنعي ولنفقه ما فيها، ونتلمس الطريق التي أمرنا الحق بالسير عليه لننجوا في الدنيا والآخرة.
واكد الفقيه على أن الإسلام مشروع حضاري بتوجيه رباني يسعى لإقامة حضارة إنسانية قائمة على التغيير والتطوير والتحديث وعمارة الكون، ولا يكون ذلك إلا بالعمل والجهد والمثابرة والمصابرة والمكابدة، وكل ذلك عبادة يصل الإنسان من خلالها الى أعلى المراتب الإنسانية في الدنيا والآخرة .
وأوضح الفقيه انه يكن كل الاحترام والتقدير للسلف الصالح ومن اتبعهم باحسان الى يوم الدين، وقد وردت مفردة سلف في كتاب الله ثمان مرات جاءت ستة منها لتدل على أمر سلبي وغير مرغوب به، وغالبا ما اقترنت مفردة سلف بمعصية تستوجب التوبة منها وتركها، مشيرا الى أن كتاب الله لا يدعو مطلقا إلى إتباع السلف لأنه ليس هناك ضمانة أن السلف متبعون للحق الذي أراده الله ، ومما هو معلوم أن السلف يمثلون الأكثرية في كل مجتمع، ولا يخفى على أحد أن الله لم يذكر الأكثرية بخيرا مطلقا، فالقرآن الكريم قد حدد المسار والمنهج القويم في معرفة الحق وهو النظر والسمع والتأمل والتدبر والتحليل والاستنتاج، قال تعالى “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا”.
وأضاف، السلف منهم الصالح ومنهم دون ذلك، ولم يكلفنا الله باتباع السلف وانما امرنا باتباع الدليل وهذا هو المنهج الوحيد الموصل للحقيقة وليس اتباع السلف ، وهذا هو المنهج الذي سيسألنا الله عنه يوم القيامة ولن يسألنا لماذا لم نتبع السلف .
وأوضح أن منهج اتباع السلف هو قائم على المنهج الذي اتبعه أكثر الذين ضلوا طريقهم في الحياة الدنيا باتباعهم دين آبائهم وأجدادهم وقد ذمهم الله في أكثر من موقع في كتاب الله قال تعالى ” بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ”، مؤكدا أن منهج اتباع السلف هو المنهج الذي ضلت به أكثر أمم الأرض السابقة واللاحقة، فعبدة البقر قد ضلوا باتباعهم السلف، وعبدة الأصنام قد ضلوا كذلك باتباعهم السلف، وكذلك مثلهم الكثير ممن اتبعوا الشرائع الأخرى، وليس هذا فحسب فكل طائفة أو جماعة أو فرقة من الفرق الإسلامية لها سلف اتبعهم من جاء بعدهم، فللشيعة سلف، وللسنة سلف، وللاشاعرة سلف، وللزيدية سلف، فما من طائفة أو فرقة إلا ولها سلف، وما من ملة أو ديانة إلا ولها سلف، إذا لا حجة ولا دليل ولا نجاة عند الله لمن اتبع السلف، وإنما الحق كل الحق باتباع الدليل ولو لم يتبعه أحد ، لذلك فمنهج اتباع السلف منهج باطل فلا يقوم عليه حق أو علم أو دين، فمنهج السلف يأخذ مشروعيته من مدى مطابقته وموافقته لكتاب الله وموافقته للتطبيق العملي النبوي لكتاب الله.