يحتوي القرآن الكريم على إشارات وعلامات تتعلق بالكون والطبيعة والإنسان، قد لا يدركها البشر عند نزول القرآن أو في فترة محددة من الزمن. ولكن مع تقدم العلم والمعرفة، تتضح هذه الإشارات القرآنية وتدخل في دائرة الأشياء المحسوسة المدركة التي يستطيع البشر فهمها واستيعابها وهو ما يطلق عليه “التأويل المباشر” أي مطابقة نصوص القرآن مع اكتشافات العلم الحديثة.
وفي هذا الصدد أجرى “رسالة السلام” حوارا مع د. سعيد محمد عبدالسلام الحداد أستاذ تفسير وعلوم القرآن بجامعة تعز حول كيف يري الاعجاز في القرآن حيث قال ” بما أن محمد عليه الصلاة و السلام خاتم الأنبياء فيجب أن تبقى أياته التي نقلها للناس كافة خالدة و برهانا حاضرا لهم في كل زمان و مكان، وكلما تقدمت الإنسانية في المعارف والعلوم يظهر قدسية القرآن على انه قول الله الحق بشكل أوضح، فكانت أياته برهانه معاكسا تماماً لايات بقية الأنبياء الذين سبقوه.
فكلما تقدم الزمن و العلم, تدخل مواضيع القرآن ضمن المحسوسات المدركة، وهذا ما يسمى بالتأويل المباشر “أي مطابقة المدرك من المحسوس مع النص القراني” لقوله تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} (فصلت 53}. {لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون} (الأنعام 67}. {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله … االآية} (يونس 39) وهذا هو السبب في تسميته قرآناً. فالقران من الجذر قرأ و يعني القراءة و الدراسة العميقة والاطلاع و البحث العلمي.
انتدبر الايات التالية من سورة العلق:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾
نزلت هذه الآيات في مرحلة مبكرة من الوحي الألاهي
“اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ“:
اقْرَأْ”: أمر في اللسان العربي يعني “اقرأ”، وهو دعوة للقراءة والتعلم.
“بِاسْمِ رَبِّكَ”: بمعونة ربك، أي بفضل ربك وباستعانته.
“الَّذِي خَلَقَ”: الَّذِي: وقد أُستخدم للتأكيد، و”خَلَقَ”: خلق، وهو الله الخالق الذي أنشأ الكون.
يتم التأكيد على أهمية العلم والقراءة من خلال الأمر “اقْرَأْ“.
الدعوة للعمل باسم الله تعبِّر عن أهمية البداية بسم الله في كل فعل يتم و التأكيد على أن الله هو الخالق، مشيرًا إلى أن العلم والتعلم ينبغي أن يكونوا في سياق تقدير الله وفضله.
هذه الآية تحث على القراءة والبحث عن المعرفة، وهي تحمل رسالة عظيمة من حيث التطور الشخصي.
“خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ:
يمكن فهم هذه الآية كإشارة إلى أن الإنسان ليس مخلوقًا عشوائيًا، بل خُلقَ من علاقات وتفاعلات معقدة في تكوينه. يُظهر الله خلق الإنسان من مكونات متنوعة، وهذا يعكس التنوع والتعقيد في الخلق.
“اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ“:
الآية توجه الإنسان إلى القراءة والتعلم باسم ربه، الذي يتميز بالكرم والجود. هنا، يُشجع الإنسان على استخدام العقل والتفكير النقدي في اكتساب المعرفه.
“الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم”
الله علَّم الإنسان في هذه الاية كيف يقوم بتحليل وتفكيك العلوم والمعرفة إلى مكوناتها الأساسية و تعتبر هذه نواة لنظرية المعرفة الانسانية و المعتمدة في كل جامعات العالم المتطورة.
بهذا المنظور, يمكن فهم هذه الآية كدعوة للاستفادة من العقل والتفكير العميق لتحليل وتقليم المعرفة للوصول إلى فهم أعمق وأشمل.
“عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ “
تؤكد هذه الآية على أن الله هو المعلم العظيم الذي يُعلم الإنسان ما لم يكن يعلمه، مما يبرز النعمة الإلهية في منح المعرفة والفهم.
بهذا السياق، يمكن فهم هذه الآيات كمدعاة للإنسان للاستفادة من قدراته على التعلم والتفكير، و حث إلى التأمل في الخلقالدقيق، مع التركيز على النعمة الإلهية والحكمة في خلقه.