في مقاله “دعوة للتفكر والتدبر في آيات القرآن”، يدعو المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، المسلمين إلى إعادة التفكير في النصوص القرآنية بعيدًا عن مبدأ “قطعية الثبوت والدلالة”. في هذا السياق، يقدم المتدبر العراقي منتظر رعد البهادلي رده، مشيرًا إلى أن التفكر في القرآن الكريم ينبغي أن يتم وفقًا لضوابط وأدأب معينة لتحقيق الفهم السليم للنصوص.
يوضح البهادلي أن بعض الكلمات التي نستخدمها اليوم قد تكون غير متوافقة مع معانيها في القرآن، مما قد يؤدي إلى فهم خاطئ لبعض الآيات وتشكيل معتقدات غير صحيحة. يوضح أن من الكلمات ذات الأهمية الكبيرة في الفهم القرآني كلمتي “العلم” و”الظن”، حيث إن الفهم الدقيق لهما ضروري لتجنب اللبس في تفسير الآيات. يستشهد البهادلي بالآية: “وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ”، موضحًا أن هذه الآية تنفي زعم بني إسرائيل قتل المسيح أو صلبه، وتبيّن أن الله جعلهم يظنون ذلك دون حدوثه فعليًا.
يشدد البهادلي على أهمية فهم دقيق لكلمة “العلم” في القرآن، حيث تعني ما أعلمنا الله به في كتابه. ويضيف أن عدم معرفة المعنى الصحيح لكلمة “علم” يجعل البعض غير متمكنين من تحديد معاني الكثير من الآيات بطريقة صحيحة، حيث يظنون أن العلم هو فقط ما تدارسوه خارج كتاب الله. في المقابل، يُعرّف الظن بأنه استنتاجات عقلية بدون نص من كتاب الله، مما يجعلها غير مؤكدة.
يستعرض البهادلي الفرق بين العلم والظن، موضحًا أن العلم هو ما يأتي من الله بآياته، والظن هو الاستنتاجات العقلية التي تفتقر إلى تأكيد من الله. يشير إلى أن التشريع بالقياس، والذي يعد من أهم مصادر التشريع اليوم، هو أسلوب ظني قائم على الاستنتاج وليس على علم مؤكد من كتاب الله. يوضح أن القياس لا يجب أن يؤدي إلى تشريع زائد عن كتاب الله، بل يمكن استخدامه فقط لتفصيل بعض تشريعات الله الموجودة في القرآن، مثل تفسير كلمة “فاجتنبوه” في تحريم الخمر.
ينبه البهادلي إلى أن عدم الانتباه إلى المعاني الصحيحة لألفاظ القرآن، وخاصة الفرق بين كلمتي “علم” و”ظن”، يمكن أن يشوه معاني الكثير من الآيات. لذا، يؤكد على ضرورة معرفة طريقة استخدام القرآن للكلمات، مع الاستعانة بالمعاجم اللغوية لتقريب معنى الكلمة، محذرًا من التأثر ببعض المعاني الخاطئة التي وضعها بعض المفسرين.
في سياق متصل، يوضح البهادلي أن التدبر في القرآن يتطلب جهدًا مستمرًا وتفكرًا عميقًا. يشير إلى أن هذا الجهد يجب أن يكون مدعومًا ببحث جاد ودراسة مستفيضة تشمل كافة الآيات المتعلقة بموضوع البحث. يضيف أن التفكر يتطلب أيضًا مراجعة تفاسير متعددة وفهم السياق التاريخي والاجتماعي الذي نزلت فيه الآيات لتحقيق فهم أعمق وأكثر دقة.
يختتم البهادلي رده بتأكيد أهمية دعوة المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي للتفكر والتدبر في آيات القرآن، مشيرًا إلى أنها دعوة تستحق الاهتمام والتطبيق. ومع ذلك، يوضح البهادلي أن هذه الدعوة يجب أن تُمارس في إطار مجموعة من الشروط الضرورية لضمان الفهم الدقيق للنصوص القرآنية. ويشدد على أن التفكر في القرآن يجب أن يقوم على أساس فهم شامل ودقيق للغة العربية، والاعتراف بجهود العلماء والمفسرين السابقين، واستحضار عظمة كلام الله، والنوايا الصادقة، والتروي والتمعن عند طرح الأفكار، والعلم بأحكام التجويد ومعاني القرآن. يؤكد البهادلي أن هذه الشروط هي السبيل لتحقيق التفكر الصحيح والاستفادة الكاملة من القرآن الكريم، مما يمكن المسلمين من تحقيق التقدم والازدهار في حياتهم.